(امرأةً تملكهم)
قال الله تعالى عن لسان (الهدهد): (إني وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) (النمل:23)، وهو يصف حال مملكة (سبأ) وملكتهم (بلقيس)، فما الصفات التي امتلكتها (بلقيس) حتى استحقت أن تكون سيدة مؤثرة في المجتمع بهذا الشكل؟ بل لها عرش عظيم! إن السورة المباركة أعطتنا إشارات عن حكمة هذه السيدة العظيمة، وفطنتها، ورجاحة عقلها، والمتأمل في هذه القصة ستفتح أمامه جملة من الصفات التي ينبغي أن يحتذى بها، ليس في السياسة فقط، بل في كل مفاصل الحياة، فإن اعتمدت إحدانا هذه الصفات اليوم، فأنها بالتأكيد ستستحق بجدارة أن تكون زوجةً، وأما، وسيدة مجتمع ناجحة في جميع المجالات، ولا تقتصر تلك الصفات على النساء فقط، بل هي من صفات الحاكم العادل، ألا وهي: أولًا: إنها حاكمة بسيطة ومتواضعة، بعيده عن كبرياء الملوك المستبدين وعجرفتهم، بدليل أنها تصدت لعظائم الأمور بنفسها، مثلما جاء في قوله تعالى: (إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) (النمل:29-30). ثانيًا: إنها كانت متعلمة؛ لأنها هي من قرأت كتاب النبي سليمان (عليه السلام): (ألقي إلي) (النمل:29) وليس أحد من حاشيتها، ووجدته كريمًا، أي قدرت كلماته كأنها أحست أنه من نبي مرسل، وليس من شخص عادي. ثالثًا: إنها كانت حكيمة حليمة، فهي لم تحرض شعبها على القتال، على الرغم من علمها بأنهم أشداء أقوياء، مثلما ورد في قوله تعالى: (قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد) (النمل:33)، بل تأنت وشاورتهم : (أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمرًا حتى تشهدون) (النمل:32)، وتتجلى حكمتها في أنها لم تعد النبي سليمان (عليه السلام) عدوا، بل عبرت عنه باسمه، مثلما جاء في قوله تعالى: (إنه من سليمان) (النمل:30)، موضحة لجيشها ما للحروب من دمار وفساد للمجتمعات: (قالت إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها) (النمل:34). رابعًا: اتباعها مبدأ الشورى، وقد شاورتهم بأن تهدي النبي سليمان (عليه السلام) هديةً حتى تستيقن من أمره: هل هو طالب للمال والدنيا، أم أنه من المرسلين: (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) (النمل:35)، وكل هذه الصفات تقودنا إلى تصور الأسباب الرئيسة التي أدت لإمكانية هذه الملكة العظيمة أن تحكم شعبها، ففي قوله تعالى: (امرأةً تملكهم)، إشارة واضحة إلى إحكام الهيمنة والسيطرة، وكمال التمكين من قبل الملكة (بلقيس) على مختلف مفاصل السلطة، حائزة على نصرة شعبها ومودتهم.