الانهيار النفسي

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 64

أنا لا أثق بالهدوء الذي أعيشه مطلقا، هدوء مؤذٍ إلى درجة لا أعيها، لكن جسدي كل صباح يترجمها على هيئة كدمات جاءت من العدم، وكل تلك العبارات المؤذية التي يجمعها خاطري تزداد سوءا يوما بعد يوم، فلا أدركني حتى أنفجر في مكاني الخطأ، وتتطاير الكلمات من فمي كزجاج حاد يجرح الواقفين كلهم، ومن ثم أنزوي إلى زاويتي، فأنظر المشهد الذي أنشأته، فلا أجد إلا كومة من الحطام كونتها من دون إدراك مني لموقف بسيط وآخر أبسط، تجمعت بداخلي لتنشئ شبحا ضخما يغطي بصري وقلبي، حتى أدركت الانهيار بأسوأ أشكاله. هكذا تزورنا الأحداث السيئة التي تتحول من حدث صغير إلى عقدة كبيرة تحطم شعورنا، وتجرح مشاعر من حولنا وهي إحدى مشكلاتنا الأساسية التي تشغل بالنا وترهق أعصابنا، فبمجرد تضخيم الأمور وتهويلها وإعطائها أكبر من حجمها الطبيعي نتيجة للتقييم الخاطئ لحجم الأمور بخاصة السلبية والعشوائية منها، تضيق دائرة علاقاتنا الاجتماعية، وتترك أثرا سلبيا في نفوس الأحبة من حولنا، فتلك الأحداث التي نرى في بادئ الأمر أنها لا قيمة لها ولا تؤثر، كحبس الدمعة وإغلاق الفم عن التفوه بكلمة متأرجحة، ثم في نهاية اليوم نعيد الحدث داخل رأسنا، فيضيف من تلقاء نفسه أحداثا ما كانت لتحدث، وليست هي المحور من الأساس وكلمات لم تقال، لكن أفكارنا هيأت وجودها، وأفعالا لم تحدث، لكن مخيلتنا استضافتها، وحينها نلجأ إلى الأسلوب السهل والخاطئ في الوقت نفسه، وهو تخيل أبلغ الضرر وأعمق الأثر السلبي فينا، حتى نستعد ونأخذ الاحتياطات لحماية أنفسنا من ضرره وتأثيره، ومع إدمان هذا السلوك يصبح التعميم هو القائد في كل مواقفنا السلبية، فنتعامل معها على أنها خطر وضرر يجب مواجهته قبل أن يستفحل، مع أن هذا سراب وشبح من وهم يوجد في التفكير فقط وليس في الواقع، ومع مرور الوقت تتوقع أسباب الشقاء، فتجدين نفسك في أعماق الألم على الرغم من أن دائرة الألم كانت هي الأبعد عنك، لكن تفكيرك جعلك في عمقها، فجميع أحوال الإنسان مرهونة بالأسباب، فإنْ عمل بأسباب السعادة كان من أهلها، ومن عمل بعمل أهل السوء كان من أهله، هذه هي المعادلة، فكل تلك الأمور التي تكون في بادئ الأمر بسيطة، فبمجرد أن تعطيها أكبر من حجمها، تبدأ بالتضخم وتسحبك نحوها، فتجدين نفسك تائهة منهارة، تودين تكسير كل شيء من حولك، ولو أنك أعطيت نفسك فرصة للتفكير السليم لأدركت أن الجهل بحقائق الأشياء وعدم وجود منهجية للتقييم، يولد ردود أفعال غير صحيحة، تؤدي إلى انهيار صاحبها إلى أسفل منحدر الوهم.