رياض الزهراء العدد 213 رتاج العلم
"القلب يتكل على الكتابة"
أنعم الله تعالى على الإنسان بنعم كثيرة لا تحصى، ماديةً ومعنويةً، ومن النعم الإلهية التي تفضل الله بها وألهمها البشر نعمة الكتابة، فهي خاصية يمتاز بها البشر عمن دونهم من المخلوقات. وتعد الكتابة والتدوين من أهم وسائل التحضر، ومحو الأمية، ونشر العلم، وقد حث الإسلام عليها لحفظ العلوم من الضياع والنسيان، ولكي يتمكن الأفراد من الرجوع إليها والاستفادة منها لاحقًا. وأقسم الله سبحانه بالكتابة في قوله تعالى: ن والقلم وما يسطرون (القلم:1)، والقسم بالشيء دليل على أهميته، وقد حث رسول الله (صلى الله عليه وآله) على كتابة العلم بقوله: "قيدوا العلم بالكتاب"(1). وقد بلغ اهتمامه (صلى الله عليه واله) بالكتابة مبلغًا حتى جعل تعليمها أجرًا وفداءً لأسرى (بدر) من المشركين، ففي مقابل تعليم (10) من أولاد المسلمين الكتابة والقراءة يفدي الأسير نفسه(2). وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "اكتبوا العلم قبل ذهاب العلماء، وإنما ذهاب العلم بموت العلماء"(3)، ففي الكتابة يحفظ جهد العلماء الكبير، ويبقى موروثهم عبر الأجيال. وأجمع أهل البيت (عليهم السلام) في رواياتهم على ضرورة الكتابة وأهميتها، ورغبوا فيها، وحثوا الأمة على مزاولتها، وجاء في أحاديثهم (عليهم السلام) ذكر الكتابة بعدة مفردات مثل (ورق، مداد، حبر، قلم، قرطاس، كتاب)، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "المؤمن إذا مات وترك ورقةً واحدةً عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة سترًا فيما بينه وبين النار..."(4)، وجعل (صلى الله عليه وآله) مداد العلماء خيرًا من دماء الشهداء، إذ ينتفع بكتب العالم في حياته وبعد مماته، وعنه (صلى الله عليه وآله): "وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليه"(5). وللكتابة دور مهم في تثبيت المعلومة وحفظها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا"(6)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "القلب يتكل على الكتابة"(7)، إذن الكتابة وسيلة مهمة لبقاء العلوم وحفظها، ونشر الثقافات، فعن طريق هذه الوسيلة ألفت الكثير من الكتب؛ لتكون مرجعًا تستفيد منه الأجيال، وهذا الأمر يضع على عاتق كل ذي قلم المسؤولية في توظيف قلمه وعلمه فيما يخدم الدين الحنيف. .................................. (1) ميزان الحكمة: ج٣، ص٢٦٦٣. (2) الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله): ج6، ص53. (3) المصدر السابق: ج3، ص2663. (4) بحار الأنوار: ج٢، ص١٤٤. (5) ميزان الحكمة: ج3، ص٢٠٦٧. (6) الكافي: ج1، ص٥٢. (7) المصدر نفسه.