القدرة الإلهية والممتنع بالذات
تعد صفة القدرة من الصفات الثبوتية المشيرة إلى وجود كمال وواقعية في الذات الإلهية المقدسة، وتعني القدرة القوة، ومبدئية الفاعل المختار للعمل الذي يمكن صدوره منه، وكلما كان الفاعل أكثر تكاملًا من حيث المرتبة الوجودية، كان أكثر قدرة، وبطبيعة الحال فالموجود الذي يتصف بالكمال اللامتناهي له قدرة غير محدودة(1)، وتشير الآية المباركة إلى ذلك: ﴿إن الله على كل شيءٍ قدير﴾ (البقرة:20)، إلا أن هذه القدرة المطلقة لا تتعلق إلا بما كان ممكن التحقق بذاته، فهي لا تتعلق بالممتنع والمستحيل بالذات، فالشيء المحال بذاته، أو المستلزم للمحال، لا تتعلق به القدرة، ومن هنا نعرف جواب من يسأل إن كان الله قادرًا على أن يخلق إلهًا مثله، فإن من يسأل سؤالًا كهذا، يقصد منه أن يعجز من يسأله؛ لأنه إن أجاب بنعم، فقد أثبت الشريك لله تعالى، وإن أجاب بالنفي، فأنه ثبت ضيق قدرته تعالى وعدم عمومها(2). والحق أنه سؤال مغلوط، فمثلما تقدم أن قدرة الباري تعالى لا تتعلق بما هو محال عقلًا، وخلق الله لإله يستلزم المحال وهو من باب اجتماع الضدين، فالموجود إما أن يكون واجب الوجود بذاته، وإما أن يكون ممكن الوجود، وإما ممتنع الوجود، وفي مفروض السؤال أن يخلق الله موجودًا مثله، فيجب أن يكون واجب الوجود لا ممكنًا، وقديمًا لا حادثًا، وغير متناهٍ، فإذا فرضنا أن الله سبحانه خلقه، فمعناه أنه غير موجود فأوجده، فصار حادثًا لا قديمًا، وممكنًا لا واجبًا، ومتناهيًا لا غير متناهٍ؛ لأن وجوده مفاض عليه من الله تعالى، وهذا يستلزم اجتماع الضدين في شيء واحد، فمفروض السؤال يستلزم أن يكون هذا المثل إله ومخلوق في آن واحد، وهذا من المحال الذي لا تتعلق به قدرة الله تعالى، فلا يعد عدم القدرة على خلق هذا المثل نقصًا في الفاعل، بل لقصورٍ في القابل. .................. (1) دروس في العقيدة: ص٩٤. (2) الإلهيات: ص١٧٢.