الإمامة بين التعيِين الإلهِي واختيار الناس
كان للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) إضافة لمنصب النبوة والرسالة ومنصب تبليغ الأحكام وتبيينها، منصب إلهي آخر وهو قيادة الأمة الإسلامية والولاية عليها والتي تتفرّع منها مناصب أخرى، كالقضاء، والقيادة العسكرية، وغيرهما(1)، وهذا المنصب الذي يشمل مسؤوليات كثيرة ومتعدّدة هو منصب (الإمامة)، والذي أصبح بعد رحيل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نقطة تحوّل لمسار الأمة بعد أحداث السقيفة؛ لتكون مسألة الإمامة بعدها محور اختلاف وانقسام الأمة بين مَن يرى أنّ الإمامة منصب إلهي، والإمام هو الوليّ المطلق والإنسان الكامل المرتبط بعالم الغيب، وهو واسطة الفيض الإلهي، وحجّة الله في الأرض، وهم الإمامية، حيث يرون أنّه لابدّ من أن يُنصب الأفراد الصالحون لذلك من قِبل الله تعالى، وبين الفريق الآخر الذي يعمد إلى الحطّ من منزلة الإمامة وجعلها على مستوى الحكومة السياسية والاجتماعية، وأنّها ليست من الشؤون الإلهية، بل هي من شؤون الأمة الدنيوية، أي أنّهم يعدّونها مسألة فقهية وفرعية تتعلّق بأفعال المكلّفين، وأنّ الإمامة الإلهية انتهت بوفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأنّه أوكل إلى الناس مَهمّة تعيين الإمام من بعده عن طريق ممارسة مختلف الآليات، كالبَيعة، والشورى، بل لو سيطر أحدهم بقوة السلاح على الناس، وأمسك بزمام الأمور، وجب على الناس إطاعته، وبذلك يتساوى الحاكم مع غيره من الناس العاديين، بل ذهب بعض علمائهم إلى الاعتقاد بأنّ الحاكم والخليفة لا يفقد شرعيته بسبب الفسوق وصدور ما ينافي العدالة في أثناء مدّة حكمه، مثلما صرّح بذلك (الباقلّاني، والتفتازاني، والنسفي)(2)، ومن هنا كان الإمام عند أهل السنّة مجرّد حاكم، لا يشترطون فيه العدالة ولا العلم اللدنّي، ولازم ذلك عدم الحجّية والمرجعية العلمية والدينية للإمام، بخلاف عقيدة الإمامية، حيث تشترط أن يكون الإمام ليس عادلًا فحسب، بل معصومًا، ومتّصفًا بصفة العلم الإلهي، حتى يكون هو الخليفة الحقيقي للنبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ويكون مثله في الحجّية والمرجعية العلمية والدينية. ................ (1) دروس في العقيدة الإسلامية: ص322. (2) أجوبة الشبهات الكلامية، الإمامة: ص٢٠.