رياض الزهراء العدد 214 هندسة الحياة
هل أنت حرة؟
من جميل ما قرأت، قول الإمام علي (عليه السلام): "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا"(1). نكاد نجزم أن أغلبنا قد سمع الجملة الآتية: (أنا حرة)، سواء في كنف العائلة، أو طرقت مسامعنا من أفواه الآخرين وهم يتحدثون بنبرة استياء ومشاعر مريرة، فيصفون كلمات فلذات أكبادهم وتعابير وجوههم عند التفوه بتلك الجمل التي تصدر وهي متشحة بالسواد الذي يضم كل ألوان التشاؤم مما يعقبه من سلوكيات مؤذية للجميع. فكيف لنا أن نقرأ معالم تلك الحرية وتضاريسها بكل ما تحتويه من مرتفعات شاهقة للحقوق الوهمية التي تروم الوصول إلى عنان السماء في انبهار شديد بلمعان النجوم الذي لا يتعدى كونه احتراقا ذاتيا، في الوقت الذي يستمتع الجميع برؤيته يتوهج بعيدا فريدا، أو أن يتردى إلى منحدرات تهوي بنا إلى منزلقات الانحرافات الفكرية، ومن ثم السلوكية، وربما تتم القراءة من الجانب المتوازن المعتدل الذي يمنحنا الشعور بالأمان والاطمئنان، مع مسحة من الثقة بالنفس والسعادة حين نفلح بالإمساك بالعصا من الوسط. تبرز تلك النبرة مطالبة بالحرية في مرحلة الشباب وما فيها من حيوية ورغبة بتلقف كل عنوان جديد براق يخطف الأبصار، ومما قيل في الحرية: إنها التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه، وتلك من أكبر الشباك التي يتم اصطياد الشباب بها، حيث إن أهم عبارة يبحث عنها الشباب هي التحرر من القيود، ولأجل الحصول عليها من الممكن أن يقعوا تحت وطأة أبشع قيود لا يشعرون بها إلا بعد فوات الأوان، فيصبحون مكبلين بأغلال فكرية عقائدية تسقط كل المبادئ والقيم. نسمع دائما من يقول: (إن حريتنا تنتهي عند بداية حرية الآخرين)، فلا توجد حرية مطلقة، بل إن حريتنا تكون باحترام الآخر، ومعرفة الحدود الشرعية والوقوف عندها، فتلك الحدود هي التي تفتح كل آفاق الحريات لدى الشاب المسلم حين يلج في ميادينها، فيقوم بالتعبير عن رأيه بما يتناسب مع الشريعة السمحة، ويرتدي ما يحفظ الذوق العام تحت الغطاء الشرعي أيضا، فيجد المحيط مستمتعا بالحياة مع حفظ الحقوق والواجبات، عندها يكون الشاب حرا بكل معنى الكلمة، ولا يقع تحت العبوديات المختلفة، سواء من الأفراد، أو الإعلام، أو العقل الجمعي، فكل طرف له مخططات يسير عبرها لتحقيق أهدافه الشخصية، فكوني حرة في طريق الله سبحانه وتعالى، ولا تكوني أمة لغيرك. .......... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص582.