خيوط الإبداع
في تلك المدينة الواقعة وسط بلدها الحبيب، حيث تسطع أشعة الشمس فوق أسطح البيوت القديمة، عاشت (فاطمة) وهي تحمل في قلبها حكايات لا تحصى، كان بيتها متواضعا، لكنه مليء بالألوان والأحلام، وكل زاوية فيه تنبض بحياة متجددة، وكل ركن يحمل ذكريات صمودها أمام التحديات. في كل يوم كانت تستيقظ مع شروق الشمس، وتخطو نحو نافذتها من خلف جزء بسيط من الستار فهي حريصة على حجابها وحشمتها، تتأمل المدينة التي تحيط بها، ترى الباعة في السوق، والأطفال يلعبون، لكنها أيضا ترى الهموم تسكن عيون النساء وتشعر بقلوبهن المثقلة، وتتفهم آلامهن، وفي تلك اللحظة جاءتها فكرة: لماذا لا أستخدم مهاراتي وإبداعي؛ لأكون شعلة تنير دروب هؤلاء النساء؟ فأنني مؤمنة أن كل امرأة تحمل في جعبتها موهبة تنتظر من يحررها. بدأت (فاطمة) بخياطة الملابس من بقايا الأقمشة، وكانت تقص وتخيط كأنها تعيد تشكيل العالم من حولها، فكل قطعة قماش تحمل حكاية بين خيوطها، وكل غرزة كانت بمنزلة تحد واجهته ونجت منه، وذات مرة نظمت عرضا صغيرا لأعمالها في ساحة المنزل، ودعت النساء للانضمام إليها. أما الليلة، فهي توافق ذكرى مولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي فرصة للتبرك بهذه المناسبة العظيمة، وبدأت بتذكر علاقته الفريدة بالسيدة الزهراء (عليها السلام)، وأخذ العبرة من صبرها وتحملها مسؤولية بيتها وأطفالها، وعمق عبادتها، وببركتها أخذت القلوب تفتح، والأفكار تتلاقى كأنها ألوان تندمج في لوحة فنية، بدأت (فاطمة) تعلم النساء كيفية استخدام فن الخياطة والإبداع في تفاصيلها لتكون وسيلة للتعبير عن مشاعرهن حتى يحول الألم إلى جمال. سألت إحدى النساء: كيف نبدأ؟ فأجابت (فاطمة) بابتسامة دافئة: كل شيء يبدأ بخطوة، أنتن أقوى من كل التحديات، تحتجن فقط إلى الإيمان بأنفسكن بعد التوكل على الله تعالى، وبينما كانت النساء يتحدثن، بدأت تتكون شبكة من الدعم والإلهام، وصارت تلك الجلسات مكانا للاحتفال بالحياة، وأصبحت كل امرأة مصدر إلهام للأخرى، وعندها أدركت (فاطمة) أنها لم تكن خياطة فحسب، بل كانت فنانة ملهمة ترسم آمالا جديدة. مرت الأيام، وتحولت تلك الحلقات إلى مشروع صغير يساعد النساء على كسب الرزق، مما أضاف أبعادا جديدة لقصصهن التي أثبتت أن الإبداع هو السلاح القوي الذي يمكن أن يحطم القيود، ويحرر الأرواح، فكل امرأة تحمل في داخلها جواهر من الإبداع، تنتظر من يضيء لها الطريق.