رياض الزهراء العدد 84 من عبق الماضي
المِسْبَحَةُ عَبَقٌ فَاطِمِيّ ونَظْمٌ كَربَلَائِيّ
عُرفت المسبحة بأنها أداة للتسبيح ومظهر من مظاهر التقوى، وقد ارتبطت بالفكر الديني منذ القدم، فكان لابدّ للإنسان من وسيلة تقرّبه إلى الله (عز وجل) وتعمل حاجزاً بينه وبين الغفلة، والركون الدِّعة، وهذه الوسيلة يقطع بها الإنسان بُعدَه عن خالقه. إذ عُثر في أثناء التنقيبات في القبور القديمة على مواد مستخدمة احتوت على حبيبات من العاج، والمحار، والعظام المختلفة، حيث قام الإنسان في تلك الحِقبة بصقل هذه المواد وتشذيبها وتكوينها على أشكال مختلفة (اسطواني أو خرزي أو غير ذلك)، بعدها قام بتجميعها وربطها بخيط، واستعملت كتمائم لأغراض دينية. (المِسبَحة) أو (السُّبحَة) مصطلح ديني يشير إلى آلة التسبيح، ففي القرآن الكريم ورد التسبيح لله (عز وجل) في عدة سور وآيات، منها: قوله تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)/ (الإسراء:44). تُعدّ المِسبحة عالماً خاصاً للذكر والاستغفار، وفيها تسبيح للباري (عز وجل)، وعند المؤمنين من الناس وبخاصة في المجتمع الكربلائي أنها في الأصل هدية الرسول (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) حين رأى ما بها من تعب و إرهاق وهي تتفانى في مشاغل البيت بنفسها دون الاعتماد على جارية، وهي بنت خير خلق الله، والحاكم على الإسلام والمسلمين، فعلّمها (صلى الله عليه وآله) هذه التسبيحة وهي (34 مرة الله أكبر، 33 مرة سبحان الله، 33 مرة الحمد لله)، ولعمل هذه التسبيحة لابدّ من شيء يساعدها على العدّ المضبوط لتتحقق الغاية منها، فلإيمانها (عليها السلام) وخشوعها الشديد في ذات الله فكّرت بعمل مِسبحة تمكّنها من ضبط عدد التسبيحات، وهذا دليل على الأثر الرباني الأخروي قبل أن يكون دنيوياً، ألا وهو التقرّب إلى الله (عز وجل) عن طريق هذه التسبيحة؛ لذا قامت بفتل خيط من الصوف وعقده بمائة عقدة على عدد التسبيحات، وهذه فكرة رائعة بسيطة في شكلها، عميقة في مغزاها. وبعد استشهاد الحمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) عمّ النبي (صلى الله عليه وآله) كانت (عليها السلام) تزور قبور الشهداء (عليهم السلام) وبخاصة قبره، فأخذت من تربته وعملت منها، مسبحة، ونظمتها في خيط، وهذا إلهام إلهي لتكون المِسبحة التي تُصنع من تربة قبر الحسين (عليه السلام) امتداداً لتلك المِسبحة. إن الزهراء (عليها السلام) لكي تتقرب بتعبدها إلى الله (عز وجل) فكرت في إيجاد تلك الوسائل، واتُّخذت من بعدها المسبحة إلى وقتنا الحاضر. المِسبحة أو السُّبحة هي عبارة عن مجموعة من القطع ذات الأشكال الخرزية الحبيبيّة مع فواصل وقطع أخرى، حيث تتألف كلها من عدد معيّن، منظومة ومنتظمة في خيط أو سلك أو سلسلة، وقد يختلف شكل الحبات نسبة إلى المجتمع أو الصانع أو بحسب طلبات الراغبين لأسباب دينية أو اجتماعية. أمّا أنواع المِسبحات، فمنها: (اليسر، والكهرمان، والعقيق، والمرجان، واللؤلؤ، والعاج، والعظم، وغيرها) وكلّها وسيلة للتقرب إلى الله (عز وجل)، ولكن أفضلها المِسبحة الطينية التي تُصنع من تربة الإمام الحسين (عليه السلام)؛ لأن حبّاتها تُسبّح مع ذكر الذاكرين، ويفوح منها عطر الشهادة، وترنيمة إيقاعها المتكون من (الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله) تؤنس المُسبّحين بها، فهي أفضل كلّ المِسبحات التي استُخدمت.