رياض الزهراء العدد 84 كريم أهل البيت (عليهم السلام)
وَارِثُ الهَيبَةِ والسُّؤدُد
وُلد الإمام الحسن (عليه السلام) في منتصف شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة، فأسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسناً بعد أن نزل جبرائيل (عليه السلام)، ففي الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): "بمَ سمّيت ابنك هذا؟" قال: "ما كنتُ لأسبقك باسمه يا رسول الله"، قال: "وأنا ما كنتُ لأسبق ربّي (عز وجل) "فهبط جبرائيل (عليه السلام) فقال: إن الله (عز وجل) يقرأ عليك السلام، ويقول لك يا محمد، عليّ منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدك، فسمِّ ابنك باسم ابن هارون. قال النبي (صلى الله عليه وآله): "يا جبرائيل، وما اسم ابن هارون؟" قال جبرائيل (عليه السلام): شبّر قال: "وما شبّر؟" قال: الحسن.(1) وكان (عليه السلام) أول مَن سُمّي بهذا الاسم، لقد عاش الإمام الحسن (عليه السلام) طفولته في أعظم بيوتات التاريخ، وبين أعظم خلق الله وأطهرهم: رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإمام علي (عليه السلام)، والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ثم الإمام الحسين (عليه السلام)، عاش الإمام الحسن (عليه السلام) تلك الطفولة في ظلال النبوة، وهي تُعلي عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أولى الكلمات التي تناهت إلى سمعه من فمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو وليد، عاش طفولة غمرها الرسول (صلى الله عليه وآله) بفيض من العاطفة والحنان، فالروايات تحدّثنا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يحمله على عاتقه، وهو يقول: "اللهم إني أُحبّه فأحبَّه".(2) وعن عائشة أنه كان يأخذه فيضمّه ويقول: "اللهم إني أحبّه فأحبّه، وأحبّ مَن يحبّه"(3) وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاملاً الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "ونعم الراكب هو"(4)، وتروي كتب الحديث: أن الحسن (عليه السلام) كان يأتي جدّه (صلى الله عليه وآله) وهو ساجد، فيطيل السجود والحسن (عليه السلام) على ظهره، فإذا فرغ قال للمصلين: "لقد ترحّلني الحسن، فكرهت أن أعجله".(5) وقد أنحل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) الإمامين الحسن والحسين (عليه السلام) من مكارمه الشيء الكثير، فقد رُوي عنه (صلى الله عليه وآله): "أمّا الحسن فأنحله الهيبة والعلم، وأمّا الحسين فأنحله الجود والرحمة".(6) وأخيراً توّج النبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله) حفيده المجتبى بكلمات بيّن فيها عظمته، وأنه (عليه السلام) امتداد له (صلى الله عليه وآله)، فقد رُوي عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها أتت أباها بالحسن والحسين (عليهما السلام) في شكواه التي مات فيها، فقالت: "تورثهما يا رسول الله شيئا؟" فقال: "أمّا الحسن فله هيبتي وسُؤددي، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي".(7) ....................................... (1) الأمالي للطوسي: ج1، ص417. (2) الأمالي للطوسي: ج1، ص283. (3) ميزان الحكمة: ج1، ص162. (4) فاطمة الزهراء (عليها السلام) أم السبطين: ج1، ص24. (5) صلح الإمام الحسن (عليه السلام) من منظور آخر: ج3، ص7. (6) ميزان الحكمة: ج1، ص160. (7) ميزان الحكمة: ج1، ص160.