لَيلَةُ القَدرِ سِرُّ مَعرِفَةِ الإِمَام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

آلاء محمّد حسين الخفّاف/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 200

بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)/ (القدر:1-5) ليلة القدر: هي ليلة يتنزل فيها أمر الهي على مَن يشاء من عباده المصطفين، حيث إن هذا الأمر هو نوع من الممارسة الفعلية لحاكمية الله على عباده، فتارة يكون تشريعيا وتارة تدبيرياً، أمّا التشريعي فهو القانون الإلهي الذي يجب أن يلتزم به عباده لوصولهم إلى العبودية، ويكون الأنبياء هم القناة الأمينة لهذا التواصل بين الله (عز وجل) وعباده ويكتمل هذا الأمر التشريعي بإتمام إيصال النبيّ لرسالته السماوية، وهنا تكتمل مَهمته التشريعية، أمّا الأمر التدبيري فهو تجسيد لمشيئة الله تعالى المباشرة في تدبير شؤون عباده بجميع دقائقها وجزئياتها التفصيلية، وهذا غير التشريع، حيث ذهب بعضهم في اعتقاده، مثل ما اعتقد اليهود أن الله تعالى شرّع ولم يمارس التدبير في شؤون عباده، وكان الردّ قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ...)/ (المائدة:64)، حيث إن المتتبع لآيات القران الكريم في الوقائع التي حدثت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) يجد أنه لم تنفرد فيها إرادة النبي دون إرادة الله، وذلك كما في قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)/ (القصص:56) وحاكمية الله في تدبير النظام البشري لإرادته لابدّ لها من الاستمرار إلى يوم القيامة، مما يعني أن هنالك منصباً غير منصب النبوّة يتصف بالعصمة والاستمرارية، ويكون هو الوعاء لمشيئته في هذا التدبير، ألا وهو الإمامة. إنّ تصدي الأنبياء والأئمة للمشيئتين التشريعية والتدبيرية الإلهيين مختلف باختلاف دور كلّ واحد منهم، سواءً كان علنياً أم في الخفاء. ويبدو واضحاً أنّ هذين الأمرين الإلهيين لهما مظهر من مظاهر احد أصول الدين المهمة، وهو التوحيد، حيث إن مقام النبوة تتجلى فيه حقيقة التوحيد في التشريع والتدبير، وفي الإمامة تتجلى حقيقة التوحيد في ولاية الله على شؤون عباده، كما أن الإيمان بالمعاد هو توحيد في غاية الوجود (إنا لله وإنا إليه راجعون). ومن هذا يظهر سرّ نزول كلّ ملفات التقدير والقضاء الإلهي سنوياً في ليلة القدر على صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بكمّ معلوماتي هائل عن وضع العِباد السنويّ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؛ تمهيداً لمَهمته في الاستخلاف الإلهي عبر الخفاء إلى حين التصدّي العلني لحكومة النظام العالمي الإلهية الموحدة التي تدفع بالنّظم البشرية إلى التقارب على أساس الفطرة، والعناية، والرعاية الإلهية، ومن هذا كله كانت معرفة حقيقة ليلة القدر هي معرفة لحقيقة التوحيد، والنبوة، والإمامة، ودليل على وجود الحكومة الخفيّة للإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ....................................... الجزء الثالث من بحوث الشيخ محمد السند/ بتصرف.