رتبة الفوز بالوعد الإلهي
من يقرأ القرآن الكريم ويتدبر آياته، يجد أن هناك آيات عديدة تتحدث عن وعد الله تعالى لعباده المطيعين بجنات تجري من تحتها الأنهار، ووعدهم أيضا بالخلود الأبدي فيها، ووصف سبحانه وعده هذا بالحق: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا) (النساء:122)، وفي قبالها هناك آيات عديدة تنذر من عصى وكفر بالنار وبالعذاب الأليم. ولعل سائلا يسأل: ما أقل مرتبة يصل إليها المرء لكي يضمن النجاة من النار والفوز بالوعد الإلهي لدخول الجنة والخلود في السعادة الدائمة؟ فهل يكفيه أن يشهد الشهادتين ويتلفظ بها لتكون منجية له من الهلكة، وتكون بطاقة عبور له على الصراط إلى الجنة؟ إن مجرد التلفظ بالشهادتين لا يكون كافيا للمرء للنجاة من النار والفوز بالجنة، فكل ما تحققه هذه المرحلة اللفظية هو أنها تجعل من الإنسان الكافر مسلما ظاهريا، تترتب عليه أحكام الإسلام الفقهية، من حفظ النفس، والمال، والعرض، وأما ترتب الآثار الأخروية فدونه أفق أبعد، ألا وهو الإذعان القلبي الصادق بما شهد به، ومطابقة ما في الجنان لما جرى على اللسان وهو ما يعرف بمفهوم الإيمان، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الإيمان، فقال: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"(1). والإذعان بالشيء لا يحصل للإنسان إلا أن يكون لديه دليل قاطع وبرهان مقنع عليه، حتى يحصل اليقين له بكل من هاتين الشهادتين ويلتزم بلوازمها، ولقد ذم الله تعالى الأعراب في ادعائهم الإيمان، فجاء الخطاب: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولٰكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) (الحجرات:14)، فعلل سبحانه وتعالى وجه تسميتهم بالمسلمين فقط دون المؤمنين بأن الإيمان أي الهدى لم يدخل بعد قلوبهم، والتعبير بأن الإيمان لم يدخل في قلوبهم كناية عن أنهم لم يصلوا إلى مرحلة الاعتقاد القلبي والمعبر عنه بالإيمان، نعم، من نطق مؤمنا بالشهادتين وملتزما بها، فأنه يستفيد منها في الدنيا والآخرة، ويستحق وعد الله تعالى، فأن وعده الحق، وهو لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ومن لم يلتزم بهذه الشهادة وبما جاء من عند الله تعالى، فليس بينه وبين الله عهد، فعهد الله سبحانه إنما يكون لمن آمن، واعتقد، وعمل بما آمن به، أي فعل المنظومة المعرفية الإسلامية كاملة: فقها، وعقيدة، وأخلاقا؛ ليحكم إيمانه وينال الثواب والجنة، وينجو من عذاب اليوم الآخر. ................. (1) بحار الأنوار: ج66، ص٦٨.