رياض الزهراء العدد 215 أنوار قرآنية
(أفلا يتدبرون القرآن)
وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) كتاب الله المجيد قائلا: "كتابٌ ظاهره أنيقٌ وباطنه عميقٌ"(١)؛ لذا يجب علينا أن نتفكر في آياته الكريمة ومفرداتها، وسياق تلك الآيات، وربط المفاهيم ببعضها في اللغة والاصطلاح، وما يوافقها من السنة الشريفة للنبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين)، وتوسيع نطاق التفكير إلى مديات أبعد من السياق، أو التفكير خارج الصندوق أحيانا في التدبر للخروج بمحصلة تستوعب كل الأبعاد والجوانب. وهذا المنهج في قراءة القرآن يعرف بـ(منهج التدبر) والتدبر لغة: (أخذ الشيء بعد الشيء)، واصطلاحا: (التأمل في الآية عقيب الآية، أو التأمل بعد التأمل في الآية الواحدة)(٢). ورد مفهوم التدبر في القرآن الكريم في (4) مواضع: ١ـ قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (النساء:٨٢). ٢ـ قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم علىٰ قلوبٍ أقفالها) (محمد:٢٤). ٣ـ قوله تعالى: (أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين) (المؤمنون:٦٨). ٤- قوله تعالى: (كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) (ص:٢٩). ومن نماذج التدبر قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلىٰ طعامه) (عبس:٢٤)، فالنظر إلى الطعام هنا لا يقصد به النظر المادي، بل التفكر على المستويين: المادي والمعنوي، فماديا يكون عن طريق التفكر في عظيم خلق النبات والحيوان الذي يأكله الإنسان، ودقة صنع أجزائها وأعضائها، أو قد يكون النظر في حلية الطعام الذي يتناوله، أكان من المال الحلال أم من الحرام، أما من الجانب المعنوي، فيقصد بالطعام العلم، فقد روى زيد الشحام عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): (فلينظر الإنسان إلى طعامه) قال: قلت ما طعامه؟ قال: "علمه الذي يأخذه عمن يأخذه"(٣)، فمثلما أن الجسد يحتاج إلى غذاء، فالروح والعقل يحتاجان إلى الغذاء أيضا، ومثلما يعتني المرء بجودة طعامه الداخل إلى جوفه، فعليه أن يعتني بجودة العلم الذي يغذي عقله به، وهو ما حثنا عليه إمامنا الحسن الزكي (عليه السلام) بقوله: "عجبٌ لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله، فيجنب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه"(٤). نخلص إلى أهمية تدبر القرآن الكريم عبر النقاط الآتية: ١ـ خشوع القلب، وزيادة الروحانية، وتحصيل البركات بسبب التفكر في آيات القرآن الكريم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "تفكر ساعة خير من عبادة سنة"(5). 2ـ فهم الشريعة ومقاصد القرآن الكريم وأحكامه. ٣ـ العمل وفق تعاليم القرآن الكريم من بعد فهمها جيدا من كل الجوانب. ٤ـ تطوير عملية التفكير وتنظيم الأفكار. ٥ـ زيادة معدل الذكاء وتوسيع مدارك المتدبر عن طريق تدريب الدماغ على التحليل والاستنتاج، وربط الأمور ببعضها. ٦ـ توسيع القاعدة المعرفية سواء في الثقافة القرآنية أو في السنة النبوية الشريفة وسنة أهل البيت (عليهم السلام). ٧ـ فتح أقفال القلوب والعقول وتعبئتها بكلام الله تعالى لشرح الصدور، وتهيئتها لتقبل الخير، والحكمة، والنور. وبذلك يكون التدبر بوابة الانتقال من الظلمات إلى النور في عالم كثر جهاله ورواد الظلام فيه، وسعيهم لجرجرة العبد المؤمن إلى بؤرة الظلام والكفر والإلحاد. .............................. (١) نهج البلاغة: ص١٢٨. (٢) التدبر في القرآن: ج١، ص٢٧. (٣) الكافي: ج1، ص50. (٤) بحار الأنوار: ج1، ص ٢١٨. (٥) ميزان الحكمة: ج3، ص٢٤٦٥.