كائنات غريبة

زينب ناصر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 153

انهالت علي الأفكار دفعة واحدة مساء أمس عندما نظر إلي ابني (منير) نظرة قلقة، وراح يحرك أصابعه بصورة غير مألوفة، ثم صرخ غاضبا: - أمي ما بك، لماذا لا تصدقين؟ أقول لك إن هناك موجودا يلاحقني ليل نهار، يريد مني أشياء سيئة، يشجعني على القيام بها، أحيانا أشعر برغبة عارمة في الاستماع إليه، وأحيانا هناك من يمنعني، مرة تحداني أن ألقي كتاب أختي (أماني) في حوض أسماك الزينة، كدت أن أقوم بذلك، لكنني ركضت بعيدا وحاولت أن أتجاهل الموضوع... قال (منير) هذا واتجه صوب غرفته بعصبية، كانت تصرفاته في الآونة الأخيرة تثير قلقي وتخلق في نفسي اشتباكا مربكا يثير المخاوف، رأيته ذات مرة وهو يحاول أن يقطع صرصورا اصطاده من الحديقة بالسكين، وقد لاحظت مرارا توسلاته بعمه الشرطي بالسماح له بتجربة إطلاق رصاصة من سلاحه.. لماذا على صبي لم يتجاوز الثامنة أن يرغب بتجربة إطلاق رصاصة؟ قذفتني الأفكار مرة أخرى في دوامة عارمة، تذكرت أنه أراني لعبة قام بتنزيلها على هاتفه، اتجهت نحوغرفته، فتشت في أغراضه، كان كل شيء مثلما هو تقريبا، كرة المضرب تحتل مكانها المعتاد على الرف، وكذلك مضارب التنس معلقة على الحائط المقابل للباب في زاوية مكتبته الصغيرة.. وجدت هاتفه فوق كتاب الرياضيات، راجعت جدوله اليومي المثبت على الجدار، لديهم اليوم حصة الرياضيات، فلماذا لم يأخذ كتابه معه؟! هل بدأ يفقد تركيزه أيضا؟ ماذا علي أن أفعل؟ هل سيتفاقم الأمر أكثر؟ كنت أعلم يقينا أن عوالم الطفولة غزيرة بالخيال المتدفق الذي يصنع ذواتهم البريئة، ويتغذى على البيئة التي يعيشون فيها. يتحكم بخيالهم كل ما يشاهدون أو يسمعون، مثلا عندما يلعب الطفل الألعاب الإلكترونية وما فيها من استخدام للسلاح وما شابه، تختلط عليه الأمور، وقد يظن أن الأمر بسيط يمكن تجاوزه وليست له تداعيات، ومن تطلق عليه رصاصة، يقوم بعد قليل ويمشي ويستعيد حياته بصورة طبيعية مثلما يحدث في اللعبة.. طبعا هذا الانطباع يختلف باختلاف الأعمار، فكلما كان الطفل صغيرا، كان تأثير العوالم الخيالية فيه أكثر، وفقدان الحدود بين الخيال والواقع يجعل الطفل معرضا لأخطار الفضاء السيبراني، ويزيد لديه الميل إلى السلوك العدواني، فضلا عن عدم الاكتراث بآلام الآخرين ومعاناتهم. لابد من أن أتصرف، أخذت هاتفه وحاولت فتحه، لكني تذكرت أني لا أعرف رمز فتح القفل، اجتاحني شعور يشبه صفعة قوية على قفاي، هذه هي الطامة الكبرى: أن يكون هناك ثقب صغير ينفذ منه ابني إلى العالم كله بما يحويه من قوى الشر المتراكمة التي تتربص به، وأن لا أكون أنا أو أي مرشد آخر إلى جانبه، كانت صفعة أوردتني موارد الواقع، وفتحت عيني الغافيتين! في هذه الأثناء عاد (منير) من المدرسة مهرولا، جلس على طاولة الطعام مباشرة من دون أن يغسل يديه، وبعد أن ألقى بحقيبته على الأريكة، قال لاهثا: - أمي، أكاد أموت من الجوع! أحضرت له الطعام، وبينما هو يقضم بنهم فطيرة الدجاج التي أعددتها، عقد حاجبيه وخفض عينيه قليلا، ثم قال: استلمني اليوم أستاذ الرياضيات، لم آخذ كتابي معي، أريد أن أذهب إلى بيت عمتي مساء، أعتقد أنني نسيته هناك ليلة البارحة، أو ربما سرقته كائنات غريبة، إنها تؤذيني باستمرار.. دفعني كلامه إلى التفكير المفرط، كان لابد من إيجاد حل، فالولد مشوش الذهن ولا يدري ماذا يفعل؛ لذا وضعت خطة أضع فيها النقاط على الحروف عن طريق خلق الوعي من أجل التمييز بين الواقع والخيال، وبيان حقيقة ما يدور في العوالم المجازية والواقعية بطرق تربوية محببة تبين له الحدود، وتخلق عنده القدرة على التوازن فيما يشاهده من برامج ومحتويات إلكترونية..