إرث النبي (صلى الله عليه وآله) المتجدد في صناعة الإنسان

زهراء حبيب القلاف/ البحرين
عدد المشاهدات : 15

كبريق الزمرد النقي يزداد لمعانه لأفئدة القاصدين، فيستخلص الصفوة تلو الصفوة، ولا يكتفي بذلك، فهو المكتوب على ساق العرش (مصباح هدى وسفينة نجاة)(1)، ممهدا السبيل الواضحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومستنقذ الغرقى والهلكى من لجج الجهالة والضلالة، سعته الوجودية المتلألئة وجهٌ آخر للحقيقة المحمدية في قوس نزولها وصعودها، على ضفتيه تداكت تماثيل الهوى ليظل نور الله ساطعا متجددا، لا تبليه الأيام والسنوات المتقادمة، إنه الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، إرث النبي (صلى الله عليه وآله) المتجدد في صناعة الإنسان، نقرؤه في ملامح ملكوتية، ومشاهد مترابطة، فمذ أن أشرق على الدنيا متنزلا من عالم الملكوت إلى عالم الملك في قالب الطينة الأطهر والأكمل، تحت هوية العنصرالحافظ لمقصد الشريعة، المجدد الباذل، أهدى الله تعالى رسوله لوحا زبرجديا أتحفت به السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تضمن فيما تضمنه مقامات يختص بها الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ جاء فيه: "وجعلت حسينا خازن وحيي"(2)، فالوحي بما ينطوي عليه من العظمة والخصوصية، مخزون في الحسين (عليه السلام)، وإن نظرنا لبعض أهداف الوحي، لوجدنا فيها: إيصال الهداية التشريعية للإنسان التي تخرجه من الظلمات إلى النور، وتعزز فيه روح التوحيد التي تبلور الأنسنة الحقة، ونجد التسلية لقلب النبي (صلى الله عليه وآله)، وإذا وقفنا على أول هذين الهدفين لكان كافيا في الوقوف على الجمال الحسيني المكتنز فيه، ولإدراك المزيد نتصل بالوثيقة النبوية التي يقول فيها النبي (صلى الله عليه وآله): "حسين مني وأنا من حسين"(3) لافتا إلى إطلاق العبارة للمجانسة والمماثلة والمشابهة مطلقا، حتى يفهم منها ترائي النبي (صلى الله عليه وآله) في الحسين (عليه السلام) على مستوى قراءة الواقع، وتعيين الأهداف، وتشخيص الطريق، وتحديد الموقف، وتحقيق النتائج، فمثلما انطلق النبي (صلى الله عليه وآله) جاهدا في صناعة الإنسان على طريق التكامل ليقترب من الروح القدسية، منسلخا عن المادية الأرضية الجاذبة نحو التسافل والردى، كذلك عمد الحسين (عليه السلام) هاديا العباد إلى حقيقة التوحيد والعبودية لله تعالى، وما هو إلا اختلاف أدوار ووحدة هدف، فانطلق الحسين (عليه السلام) قارعا الصنمية في الهوية المسلمة التي تتدحرج نحو الردى بقارعة الدم الذي يستباح من الولي الاستثنائي في مشهدٍ لا نظير له ولا شبيه، محطما الأصنام، زاهدا في نفسه الطاهرة لأجل إعلاء كلمة الله سبحانه، فأحيا الأرض بعد موتها، وبث فيها من أريجه ولهبه ﴿ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة﴾(4) إلا من هدي سماوي وتسديد إلهي، فأشعل الله حرارة الافتجاع عليه في قلوب المؤمنين بعاطفة لا تخمد معها الذكرى، وكذلك أكد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا"(5)، وجعل في هذه الحرارة الوقود المتجدد في صناعة الإنسان بوصفه إرثا نبويا لا نفاد له ولا زوال! وليس بتيهٍ أن نحتفي بالولادة الغراء ونحن ننظر للشهادة النوراء، فالله تعالى أشار لهذا المقام السامي في ذلك اللوح الزبرجدي الذي احتفت به سيدة النساء (عليها السلام) بعد ولادة الحسين (عليه السلام)، إذ جاء فيه: "... وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة..."(6)، وهو النور المحمدي الذي لم يبتدأ بالولادة ولم ينته بالشهادة، المجدد لما دنا منه الاندراس، والكاشف بنجيعه حجب الالتباس، وارث خاتم الأنبياء في قشع سحائب العمى، والرافع بنورانيته عن الخلق الظمأ. "أشهد أنك قتلت ولم تمت، بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك، وبضياء نورك اهتدى الطالبون إليك"(7). ....................... (1) ............ (2) الكافي: ج1، ص528. (3) بحار الأنوار: ج43، ص271. (4) جامع أحاديث الشيعة: ج12، ص556. (5) الكهف: (6) الكافي: ج1، ص528. (7) البلد الأمين: ص284.