الملاذات الآمنة

كوثر حسين العريفاوي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 41

في إحدى المحطات التي مررت بها في الحياة، كان كل شيء يبدو مريبا، شعرت حينها بغربة من بات في البئر وحيدا، وبحزن من خذلته كل الأيدي، فهذه الوجوه العديدة كأني لم أرها يوما، فبين شامت بمصابي، وبين عاجز عن مساعدتي، وبين متجاهل إياي، كأنني لم أحسن إليهم يوما. كانت الحال يرثى لها حين عزت المواقف عن تغيير نظرتي في أن لا أحد لي في هذا العالم، وبين زوبعة الأحداث واشتداد البلية، وقفت أنظر للجميع نظرة أسف وخيبة، لكني علمت حينها أين يجب علي التوجه، فسرت إليهم مشيا، فقد أضعت الوجهات إلا ووجهتهم الوحيدة التي أضاءت أمامي، فعلى كاهلي ثقل بالكاد أحمله، أجر بقدمي المثقلتين، فلابد لي من هذا السفر، حزمت الدموع أمتعة، همست لأوجاعي: سترحلين فور وصولي إلى تلك المحطات، وعاهدت القلب: إنك ستشفى قبل أن نطرق الأبواب، صبرت حواسي المتعبة بأنها ستحصل على نصيبها من السلام كاملا، وفي الوقت ذاته مضيت نحوهم خاوية اليدين وشبه هالكة، لأعود إلى الحياة من جديد، فمن هم؟ في كل خطوة كانت تسقط مني دمعة تفترش الطريق، تلك الدموع الحارقة يسقط معها لون من الأسى الذي احتل روحي المنهكة، كنت صامتة لكن قلبي يحدثهم من بعيد: ألا يا أيها الكرام، هل لمثلي عندكم مقام؟ فتارة أشكو إليهم سوء حالي، وتارة أخرى أشكو إليهم (مني)، وأنا في الحالتين على يقين تام بأن لندائي مجيبا، ولقلبي المضنى طبيبا. كان الطريق طويلا جدا على متعبة مثلي، وبعد مروري بالكثير من المحطات تراءت لي أنوار مبهجة، مزيج من الأضواء، كانت الألوان كامتزاج ضياء الشمس بنور القمر، فنتج بريق يمكنه أن يخترق ظلمة القلوب فتشع من جديد، ابتسمت من الدهشة، كنت كلما اقترب يتسع صدري، حينها أحسست أني قد منحت رئتين جديدتين. لم تغلق أبوابهم بوجه قاصد يوما، ليلا ونهارا، لا يحد كرمهم وقت من أن يجيروا ويكرموا قاصديهم، على تلك الأبواب وقفت أتأمل وقلبي يخفق فرحا، فعن يميني مصرع تنبعث منه السكينة، وعن يساري كفان ينهمر منهما الأمان، تبدلت الأثقال التي كانت على كاهلي إلى يد تربت عليه، فنسيت ما أهمني، وعدت من عندهم مجبورة الخاطر مغمورة بالسلام.