نيل المنى.. حصاد المنتظر الصابر
لشجرة الخيزران الصينية المعمرة حكاية جميلة وملهمة، فبعد أن تغرس بذور هذه الشجرة الغنية بالفوائد والاستخدامات في الأرض، لا تنمو أبدا، ولا يظهر منها على مدى (5) سنوات سوى برعم صغير جدا يأخذ شكلا ملتويا، ويحاول جاهدا في كل هذه الأعوام من أجل البقاء سالما وحيا، لكنه بعد ذلك لا يحتاج إلى أكثر من (3) أشهر فقط لتنمو سيقانه لأكثر من (30) مترا دفعة واحدة! عند البحث في تفاصيل عملية النمو البطئية والمفاجئة في الوقت نفسه، فسنجد أن هذه الشجرة تنمو بالفعل من الداخل وتصنع لها شبكة معقدة وممتدة من الجذور، وهذا يحدث في أول (60) شهرا، وهذا بالطبع لا يظهر للعيان، فبعد أن تكتمل قوة الجذور المتشعبة في الأرض، تبدأ سيقان الخيزران برحلة سريعة ومثيرة للدهشة في الارتفاع، وهي بذلك تعد من أبطأ وأسرع النباتات نموا، لكن على مرحلتين من عمرها. تعلمنا هذه الشجرة درسا في غاية الأهمية، يختزله حديث الإمام علي (صلوات الله عليه): "من ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر"(1)، وتصنع هذه الحكمة فرقا مهما في حياة المنتظر، وهي من قواعد الاستعداد الشخصي والمجتمعي، فضلا عن تهيئة الأرضية المناسبة لتعجيل فرج الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، مع الالتفات إلى أن مهمة المنتظر هنا قد تتجسد فقط في المرحلة الأولى التي تشبه صناعة الجذور القوية لشجرة الخيزران من الأعماق، والصبر في أثناء مرحلة الانتظار لولي العصر (عجل الله فرجه)، ففرحة الحصاد تكون مع ظهوره المبارك. وتأسيسا على مثالنا، يكون دور المنتظر في الزراعة، والبناء، ومن بعده الحصاد وقطف الثمار على جانبين: 1ـ تربية النفس: إذا أردت أن تكوني ممهدة حقيقة، فعليك بنفسك التي بين جنبيك، تسلحي بالمعرفة، جاهدي الهوى، ازرعي القيم الحقة وقوي جذورها بالاهتمام والرعاية والسقي حتى تصبحي شخصية يعتمد عليها عند الإمام (عجل الله فرجه الشريف). 2ـ تربية الطفل: اهتمي بالجذور القريبة منك، ثم بعد ذلك اتجهي إلى الدائرة الأكبر، أي المجتمع، ولا تنسي أن تربة الطفل سليمة ونظيفة، فاستثمري ذلك بجعل عوده صلبا، لاسيما في البناء العقائدي كي لا تهزه رياح الفتن، أنشئيه على حب الإصلاح، واتباع المنهج الرسالي بالعلم والعمل، فالأطفال امتدادنا ومستقبلنا، وأملنا في نصرة إمام زماننا، وأن يكونوا قادة في جيشه إن لم يحالفنا الحظ في أن نكون معه في عصر الظهور. في الختام، يقال: إن من أساسيات السعادة والنجاح في هذه الحياة هو أن تجدي شيئا تفعلينه، وشيئا تحبينه، وشيئا تأملين في حدوثه، فهذه هي أساسيات الانتظار الإيجابي: أن تزرعي بحب ولا تيأسي، بل تصبري وتأملي مع التوكل على الله، وتدعين لصاحب الأمر بكل توجه وإخلاص، وتذكري أن على قدر الاستعداد يأتي الإمداد. ................................. (1) ميزان الحكمة: ج2، ص١٥٥٩.