بشارة الخلود والأثر الموعود
تطرقت الكثير من الروايات الشريفة إلى ذكر إقامة المجالس، منها أن السيدة الزهراء (عليها السلام) ندبت ولدها الحسين (عليه السلام) قبل ولادته بعد أن سمعت من النبي (صلذى الله عليه وآله) ما يجري عليها وعلى بعلها وبنيها، فقالت: "يا أبت، متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خالٍ مني، ومنك، ومن علي، فاشتد بكاؤها، وقالت: يا أبت، فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة، إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة، فإذا كان القيامة، تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة"(1)، فهذه بشارة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمته، والتأكيد على خلود ذكر محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) وحفظا لدمائهم الطاهرة، وقضيتهم الإلهية. ولا يخفى على أحد أن إقامة المجالس ليست خاصة بالعزاء، بل تشمل كل المناسبات الدينية، سواء كانت فرحا، أو حزنا، أو لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) ودراستها، بدليل قول الإمام الصادق (عليه السلام): "شيعتنا منا، خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا"(2)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "تزاوروا في بيوتكم، فإن ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا"(3). بدأت إقامة المجالس السنية داخل الأسرة على عهد الرسول والأئمة (صلوات الله عليهم)، والحوراء زينب (عليها السلام) أقامت مجلس العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) مع نساء بني هاشم، فكانوا قدوة لشيعتهم بإقامة المجالس العائلية؛ لما لها من أثر بالغ في دخول البركة وصلاح الذرية، ثم انتشرت تلك المجالس في المجتمع، مما جلب الإصلاح وزيادة البركة. ويمكن تلخيص آثار المجالس في الأسرة والمجتمع كالآتي: 1- الأثر التكويني القهري: فكل من يحضر هذه المجالس، يشعر بالمحبة والألفة والتعاطف، وهو شعور قهري من الله تعالى؛ لأنه سبحانه يحب ذكر محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، وقد قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (آل عمران:31)، فتنزل هذه المحبة في قلوب الحاضرين وتكون نسيجا قويا وترابطا بين أفراد الأسرة، وذلك بتعاونهم لإعداد المجلس وتهيئته، والشعور بالأمان والغبطة؛ لأنهم يشعرون بالآثار التكوينية في حياتهم، فحضور هذه المجالس يكون بمنزلة زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، ونرى الشباب يتوافدون على هذه المجالس للحصول على هذا الشعور القهري الملكوتي الذي يزيل الهموم، ويعطي قوة وطاقة وأمل بتغيير حياتهم إلى الأفضل، والخروج من دائرة اليأس والإحباط، كأن هذه المجالس وقود لإحياء النفوس، وإثارة القوة الشبابية للبناء والجهاد في سبيل نصرة محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) في كل ميادين الحياة. 2- الأثر الاختياري: أي الرشد، والتعقل، والحكمة، والنجاة من الأزمات، فالشباب عند حضورهم هذه المجالس التي تبدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ذكر الأحكام الشرعية من حلال وحرام، ثم الاستماع إلى أحاديث النبي وآله (صلوات الله عليهم) وسيرتهم، تكون نورا إلى الطريق الصائب في حياتهم الشخصية والاجتماعية. فالمؤمن الفطن يكون على بصيرة من أمره ويرى بنور الله تعالى، أما الجاهل الذي لا يحضر هذه المجالس، فيكون متحيرا في حياته ومتخبطا في قرارته، ثم إن في هذه المجالس يكون استجابة الدعاء لقربنا من الله تعالى ومن المعصومين (عليهم السلام)، ولأنها مجالس ملكوتية تحضر فيها أرواح المعصومين (عليهم السلام) والملائكة المقربين. 3- الأثر التفضلي: وهو تفضل من المعصوم (عليه السلام)، فهو حجة الله في أرضه، والباب إلى الله تعالى، فكل من يحضر المجالس وعنده مشكلة، سواء كانت شخصية أو اجتماعية، أوعشائرية، تستجاب دعواتهم، وتحل مشاكلهم مهما كانت، وهذا بضمان من الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: "وأنا بنجاتكم زعيم"(4)، فكل معضلة أو مشكلة بمجرد حضور هذه المجالس ستنتهي، وتنزل الرحمة والخير، بخاصة على الشباب الذين يمرون بمشاكل كثيرة بسبب صعوبة الحياة؛ لأن معسكر الحق ومعسكر الباطل ما زالا في صراع منذ خلق آدم (عليه السلام) إلى يومنا هذا، فالمجالس السنية التي يذكر فيها الله تعالى، ونبيه، وأوصياؤه (صلوات الله عليهم) هي مجالس الحق، والشباب الذي يختار معسكر الحق، يكون محصنا من مكر هذه المخططات، ويعرف كيف يدافع عن المقدسات، وعن كل المبادئ العظيمة التي تعلمها، ويعرف الحق عند إقبال الفتن. 4- الأثر النوعي: الأسرة الملتزمة بإحياء مناسبات المعصومين (عليهم السلام) تكون مميزة؛ لأنها تساعد أبناءها على أن يكونوا أفرادا صالحين ومصلحين، وممهدين للظهور المبارك، فالمجالس مدارس؛ لإنها تقوم بتربية الأبناء عن طريق ربطهم بأئمتهم (عليهم السلام)، وزرع نهجهم في سلوكهم، فتحميهم من المكائد الشيطانية، كمواقع التواصل، والثقافات الدخيلة الضالة التي هدمت المبادئ الأسرية، وضيعت الدين، صحيح أن وسائل التواصل مفيدة، لكن مفاتيحها بيد الأعداء الذين يخططون لسلب الهوية الحسينية، وزيادة المشاكل والتفكك الأسري، ولإنقاذ الأبناء من الأضرار الناشئة من هذه الوسائل، كالاكتئاب، والإدمان، والانتحار، وغيرها، تقيم الأسرة المجالس السنية لحفظ الذرية، وتنشئة شباب واعٍ، متمسك بعقيدته، وحافظا لدينه، وناصرا لإمام زمانه (عجل الله فرجه الشريف). هذه المجالس ما هي إلا تأكيد لأصل مهم في الدين، ألا وهو التولي والتبري، فمن يعد هذا المجالس ويحضرها، يرفع راية التولي لمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، والتبري من أعدائهم، فتكون الأسرة نوعية بتطبيقها لبشارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكونها من الشيعة الذين اختارهم الله تعالى لإقامة العزاء، وموعودة بالآثار الإلهية والبركات النازلة عليهم. .............................. (1) بحار الأنوار: ج44، ص293. (2) المصدر نفسه: ج53، ص303. (3) المصدر نفسه: ج71، ص352. (4) الكافي: ج2، ص186.