قرة عين الحسين
نورٌ بهي، ومشكاةٌ تضيء عتمة الكون، الملائك لا تسع المدى وهي تنتظر الكوكب الدري علي الأكبر (عليه السلام) قلب أبيه، والملائك تحيط المدينة المنورة.. فرح يملأ القلوب والدروب، ومحاسن طلائعه تبهر الوجود، سلسبيل يغسل الأرواح، وإشارة لقمر جلي، وابتسامات وليدة على الشفاه، وكلمة واحدة تردد بصوت واحد: ولد الأكبر، ولد الأكبر.. والأنفس بولادته مملوءة بالأمنيات والمسرات، هل يحمل الحياة والنور؟ تهاوت الظلمات، وبزغت شمسه في جبين المدينة، زهرة الحسين (عليه السلام) له في سواقي الندى قطوفٌ، وحلمٌ يغفو في مآقيه، وروحه تعزف حروفا بيضاء، وهو يلمس محياه، والكل أمامه عاجزون عن أن يرسموا له صورة تتسع لجماله الهاشمي، إنها صفات الجلال والكمال، وروح القدس عن يمينه يرتل في رأس أبيه: إنا أعطيناك الأكبر، فلا أحد غيرك يرى ما يتلألأ في قلبك الندي من دموع فرح وابتسامة أمل، وما انتظرته هو ذا صار في حضنك الدافئ.. قلائد المرايا وأساور الغصون، والنسائم ترفرف بالقطرات على زجاج الأيام بالمسرات، هكذا تجلت شمائله، وأنت تعانقه بأقصى سرعة شممت منه رائحة النبي (صلى الله عليه وآله): إنها والله رائحة حبيبي، فغرقت في بحر الأمل والسرور واللقاء، وهمست في أذنيه: بني علي! أنت كل أحلامي وأيامي القادمات، ومصباحي الذي رزقني الله تعالى، يحمل الحياة والضياء الذي تتهاوى أمام إشراقتك الظلمات، وينتصر النور، حري بنوارس الفؤاد أن تحلق على شواطئ الابتهاج، تسمو بك في صعودها إلى عليائها وفي يدها قمر.. ومثلما تجنح الطيور المحلقة مائلة إلى أوكارها، يجنح قلبي برفيف مضيء، أسمع همساتك وهي تعاودني؛ لأعود معك في كل آن إلى أول لقاء أبيض أهديتك فيه قلبي! يا كتابي الناطق الذي ما أزال أقرؤه عند الصباح ألف مرة، فكل يوم أستبق الزمن، وأرتجي لك أن تكبر، ووردي فوق الغصون يغفو على أنامل الفؤاد.. فأنت يا علي حكاياتي التي لا تمل، وقصيدتي التي كتبتها بماء الورد، أصارع الدنيا وأحصنك بآيات الله، أخشى عليك غدر الزمان، وأناديك بصوت أعماقي لترسو على سفوحي الممزقة، ويرتسم السرور في قعر مدني العميقة؛ ليستيقظ الارتياح في حلكة الليل السرمدي.