ازرعي فعلا في طفلك وستحصدين عادة

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 62

ينظر (نوح) من خلف الباب ببراءة مفعمة بالتساؤل المستمر عن الحركة التي تقوم بها أمه كلما رأت أباها، إذ تنحني مقبلة رأس الجد بكل حب، لكن هذه المرة كان يشعر (نوح) بالفضول لتجربة هذه الحركة، فما إن دخل جده من الباب حتى هرع إليه ليفعل ما تفعله أمه، لكن الخجل تمالكه، فتراجع قليلا واكتفى بإعطاء خده لجده ليحصل على القبلة المعتادة، وبعد لحظات وبينما كان الجد يهم بالجلوس، تقدم (نوح) نحوه راكضا بحماس، وقام بتقبيل رأسه مغمضا عينيه خجلا، لكنه فتحهما حينما شعر بيد جده تطوقه وعيناه تدمعان لسروره بهذا الفعل البسيط وهو يرى نسخة مصغرة عن ابنته، فقال الجد وهو يلتفت إليها: أحسنت يا بنية، قد كسبت ابنا بارا يسرك عندما تكبرين، فقد زرعت فعلا وستحصدين عادة تسعدك. كان فعل أم (نوح) هو البذرة التي زرعتها في أعماق طفلها، فكبرت فضولا، ثم نضجت لتصبح فكرة مطوقة بالعادة التي تدمج مع الإنسان. عندما تتعاملين مع أطفالك، فإنك لا تزرعين أفكارا فقط، بل أفعالا تتكرر بشكل يومي لتصبح عادات، فكل فعل يصدر عنك، سيتحول إلى سلوك طبيعي لدى طفلك، وهذه العادات هي التي تشكل شخصيته، وتوجه حياته في المستقبل. كيف نزرعين فعلا يتحول إلى عادة؟ 1ـ التكرار والمثابرة: لتحويل أي فعل إلى عادة، يجب أن يكرر الفعل بانتظام، ففعل أم (نوح) فعل بسيط، لكنه كان البذرة الأولى لتحريك الفضول لدى (نوح) والمحاولة لفعله؛ لأن أهله هي مرآته التي يظهر أولى خطواته فيها، فما يبدر منك، سينعكس حتما على طفلك. 2ـ القدوة الصالحة: الأطفال يتعلمون بشكل كبير من محاكاة سلوكيات والديهم؛ لذلك من المهم أن تكوني قدوة في العادات التي تريدين زرعها، فإذا كنت ترغبين في أن يقوم طفلك بالقراءة يوميا، فاقرأي أمامه بانتظام، وكذلك أي فكرة أخرى تودين زرعها. 3ـ التشجيع والمكافأة: عندما يقوم الطفل بالفعل المرغوب فيه، يجب مكافأته بشكل إيجابي، وهذا لا يعني منحه المكافآت المادية دائما، بل قد يكون التشجيع عن طريق الكلمات الطيبة، أو المديح، أو احتضان الطفل بحب وحنان. 4ـ العلم في الصغر: العادات التي تزرع في سن مبكرة، تكون في الغالب أكثر تأثيرا، وفي الحقيقة يجب أن يبدأ الوالدان بتصحيح عاداتهما السيئة ليكتسب الطفل العادات من دون تكلف من الوالدين، فدعي طفلك يستمع إليك ويراك وأنت تقدمين المحبة؛ لينشأ طفلا يظهر مشاعره الحقيقية، فالشعور الأول ينطلق من الأسرة، والكلمات الأولى هي من تلقين الأسرة، والشخصية الأولى هي صنع الأسرة. إن زرع فعل في البداية يمكن أن يتحول إلى عادة قوية، والعادات هي ما يشكل حياة الطفل في المستقبل، فزرع الأفكار الجيدة والمبادئ القوية في ذهن الطفل، يعد أساسا لبناء شخصيته عبر توجيهه بشكل صحيح نحو التفكير الإيجابي، وتعليمه كيفية التعامل مع الحياة بثقة وعزيمة، وعن طريق هذا السلوك يمكن للوالدين أن يضمنوا له مستقبلا مليئا بالنجاح والرضا، ومكللا بالحب والإنسانية.