رياض الزهراء العدد 215 هندسة الحياة
الحساب الآجل
عندما تدخلين محل البقالة في الحي الصغير وتتجول عيناك في أطرافه المترامية، فسترين تلك الأرفف التي لا تكاد تظهر بسبب تزاحم البضاعة وقلة المساحة، وهنا لابد من أن تلمح عيناك في مكان ما من المحل دفترا صغيرا مصفر الأوراق، يضج بالأسماء والأرقام منذ سنوات خلت، ذلك هو دفتر الحساب الآجل، أو مثلما يطلق عليه اسم (دفتر الدين)، فكثير ممن نعرفهم يقتنون الأشياء ويستخدمونها، أو ربما الطعام الذي يأكلونه، بدون دفع مستحقات الآخرين، فمنهم من يتمكن من الدفع وإيصال الحق لأصحابه، ومنهم من يوافيه الأجل فيبقى ما كتب في الدفتر معلقا في رقبته وكل عائلته. كم من الأمور في حياتنا نتعامل معها بطريقة الحساب الآجل بدون وعي منا فيما إذا كنا سنوفي الحقوق أم لا؟ وهنا لا نقصد حقوق الآخرين فقط، بل حق أنفسنا علينا المتضمن القيام بالواجبات الشرعية، والنفسية، والاجتماعية، وغيرها الكثير، فمثلما تريدين أن تأخذي، فلابد لك من العطاء في الطرف الآخر. ونطرح سؤالا هنا: لماذا يفتح الإنسان سجلات الحساب الآجل في حياته إن لم يكن مضطرا إليه؟ وللإجابة عن هذا السؤال، لابد لنا من المرور على مفردة (التسويف)، إحدى مسببات الوصول إلى مرحلة التراكم المهلك، تراكم المسؤوليات والواجبات، فكل عمل صغير يشبه قطرة الماء التي تترك على جنب حتى إشعار آخر، وبعد مدة من الزمن تكون الصدمة، وذلك عند تراكم كمية هائلة من قطرات الماء لتصبح سيلا عارما، مما يصعب التعامل مع المواقف، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما يمر به الطالب في ليلة الامتحان من تراكم المواد الدراسية، إذ قام بالتسويف في المراجعة اليومية هربا من القلق الذي يصاحب بداية الأعمال أو القرارات المهمة. نقوم أحيانا بالفرار إلى الأعمال غير ذات الأولوية لنشعر بالراحة مثلما نعتقد، وننسى أن هناك عدا تنازليا لكل شيء بما في ذلك عمر الإنسان ذاته، وعندها تكون الحسرة والندامة. لابد من التعامل مع المواقف بالمبادرة الفعالة الهادفة، أي أن نقوم باتخاذ ما يلزم بخطوات واثقة تدريجية ومتسلسلة، وبحسب خطة مدروسة كي لا نقع في المحذور، فعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: "تخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر بأولكم آخركم"(1)، نستلهم من هذه الرواية الشريفة ضرورة إزالة الأحمال عن أكتافنا بكل ما تحمله كلمة (الحمل) من معنى، وما تنضوي تحتها من أعمال دنيوية أو ذنوب تثقل كاهلنا، فبادري إلى العمل، ولا تكوني من هواة الكتابة في سجل الحساب الآجل. ........................ (1) بحار الأنوار: ج٦، ص135.