تاجٌ من البلاستيك

ربى جواد العبيدي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 73

نأتي إلى هذا العالم ونحن في أشد حالات ضعفنا، لا نستطيع المشي ولا الكلام، ونعتمد على الوالدين اللذين زرع الله تعالى في قلبيهما حبا عظيما لطفلهما، فتصل بهما الحال في بعض الأحيان إلى التقصير والتقتير على أنفسهما في سبيل تقديم كل وسائل الراحة لكي يكون طفلهما منعما، ولا يشعر بأي نقص. يبدأ بعدها التدرج الهرمي للإنسان ويبدأ عمره بالتقدم، وهذا الأمر يتطلب من الوالدين عناية أكثر، وانتباها، ومسؤولية تجاه طفلهما على الطريقة التي سيستقبل بها الحياة ويتعلم منها، لكن الصعوبة تكمن في ذلك الوقت الذي سيشتد فيه عوده، ويبلغ أشده بعدما كان طفلا صغيرا ضعيفا، فكيف ستكون عنايته بوالديه، ويرد لهما جميلهما؟ في أحد الأيام بعدما كان والدي وقد أخذ منه العمر مأخذا، وكان لدي من المسؤوليات ما ينسيني النظر عبر نافذة الخيال إلى عالم الطفولة والماضي المليء بالألوان والمواقف البريئة، ذكرت والدي وقد اشترى لي تاجا ملونا مصنوعا من البلاستيك ووضعه في متناول نظري، للحظة أخذني عالم الخيال بعيدا، مختلطا ببسمة غريبة وقلق، فانتبهت إلى نفسي، فعندما كنت صغيرة كنت أبحث عن التفاصيل البسيطة؛ لكنني لم أكن أجدها دائما، بل كنت أجدها في أوقات متباعدة ومختلفة، حسنا لا أتذكر كل شيء عن طفولتي؛ لكنني في هذه الأوقات أجد عقلي قد ارتبط بعالم الطفولة وترك عالم النضج والرشد، فوددت لو كان ممكنا توقف النمو عند مرحلة الطفولة؛ لكونها مرحلة لا تتطلب تحمل كل تلك المسؤوليات، فأعود إلى أحضان البراءة والدلال، وأرتدي تاج الطفولة الملون على الرغم من كونه من البلاستيك، لكنه يمنح الطفل شعورا بالتميز عن باقي أقرانه من الأطفال. إن عدم عيش الإنسان كل مرحلة من عمره بشكل طبيعي وصحيح، قد يؤدي به إلى الشعور بعدم صلته بتلك المرحلة الزمنية، وأن لا شيء يربطه بها، فينسى تفاصيلها، ويشعر أنه لم يكتف منها، لكن لا يجب التوقف عندها بأكثر من التفكير العابر، وعليه وضع الأقدام بثبات على العمر الحالي والتطلع إلى مستقبل أجمل، فمهما كانت زهور الماضي قد ذبلت قبل أن نفكر باقتطافها، فهي قد أصبحت من الماضي، إذن فلنحاول زرع زهور أجمل، تليق بنا لارتداء تاج العمر المناسب بالألوان التي تليق به، فبإمكاننا صنع تيجاننا الخاص في حياتنا عن طريق التحلي بأعلى درجات الأخلاق والكرم.