حقيقة كون الله تعالى متكلما

رجاء علي البوهاني/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 32

أجمع المسلمون تبعا للكتاب والسنة الشريفة على كون الله سبحانه وتعالى متكلما لورود ذلك في الكتاب الحكيم في عدة آيات، منها قوله سبحانه: )وكلم الله موسىٰ تكليما( (النساء:164)، وبما أن (الكلام هو مجموعة الأصوات المفهمة لمعنى تام)(1)، وهو ما يحصل عادة بمساعدة الأدوات والآلات، كالحنجرة، واللسان، والحلق، إضافة الى الأعصاب، والدماغ، فإن هذا المعنى للكلام لا يمكن إطلاقه على الله تعالى، وذلك لأنه سبحانه واجب الوجود، وسمة الواجب هو الغنى المطلق، فكيف يحتاج إلى الآلات والأدوات لتحقق فعل الكلام؛ لذا لابد من أن يكون هناك معنى آخر للكلام، مناسبا لذاته المقدسة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "كلم الله موسى تكليما بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات"(2)، فقد ذهبت الإمامية إلى أن كلام الله تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته سبحانه، بل يخلقها في غيره، كاللوح المحفوظ، أو عن طريق جبرائيل (عليه السلام)، أو عن طريق الشجرة، مثلما حصل في قصة النبي موسى (عليه السلام): )فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين( (القصص:30)، فكلامه تعالى هو إيجاد الكلام اللفظي في الأشياء، من حروف وأصوات، (وإذا قلنا إن الله تعالى يكلم أنبياءه، فمعناه أنه يوجد الكلام والأصوات المفهومة بكيفية معينة فيسمعها الأنبياء ويدركونها)(2). وهناك معنى آخر لحقيقة الكلام وهي غير الكلام اللفظي الدال على معنى يريده المتكلم، فهو وإن كان أحد مصاديقه، لكنه ليس المصداق الوحيد، فالإشارة الوافية لإراءة المعنى كلام، والفعل الكاشف عما في الفاعل من خصوصيات وطاقات كالعلم والقدرة كلام أيضا، إذ إن حقيقة الكلام متقومة بما يدل على معنى خفي مضمر، وعليه يكون المعنى الحقيقي لكلامه سبحانه هو فعله وإيجاده، فإذا قلنا: إن الله تعالى متكلم، فمعناه أنه موجد الأشياء الكاشفة عن قدرته، وعلمه، وحكمته: )قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا( (الكهف:109). .................. (1) بداية المعرفة: ص86. (2) التوحيد للصدوق: ص79. (3) المصدر السابق: ص87.