لوائح الفتن
جاؤوا بي إلى عالم جديد لا أرى فيه شيئا، أسمع أصواتا مختلفة، لكنني لا أفهم معناها، أحاول الالتفات إلى مصادر الأصوات للتحقق منها أو لفهم ما يجري من حولي، لكنني على الرغم من محاولاتي لم أنل سوى التيه. مرت الأيام وأنا أحاول التأقلم مع هذا الوضع، بدأ السواد بالانجلاء، لكنني ما أزال لا أرى صورا واضحة، فكل ما أراه مشوشا كأنني في عالم ضبابي، أحسست بالطمأنينة وبالإيمان بأنني سأرى صورا أوضح. مرت الشهور تتلوها السنين، واتسعت دائرة الفهم والاستيعاب، لكن ليس للحد المطلوب، فهناك مشاهد تبدو كالألغاز، وصور تحتاج إلى عين ثالثة لأدرك معانيها، أنظر إلى أقراني وهم يعيشون أيامهم بهناء وسلام، أما أنا، فتزدحم بداخلي قوافل من الأسئلة، وأكاد أختنق من زحمة الأفكار التي تدور في رأسي، فهذه الشفرات كيف يمكنني تفكيكها؟ كيف يمكن أن يكون رمز السلام ذئبا ملطخا بالدماء؟ كيف ينطق بالحق من تربى في حجور الأبالسة؟ كيف؟ لم؟ أين؟ متى يعود السواد ليخيم على من لم يعتده؟ على من لم يستطع تقبله والتعايش معه؟ ترتفع ملايين الأصوات، كلها تدعي المظلومية، وأصوات تطالب بالحرية، كيف يمكنني التمييز بين الظالم والمظلوم حتى أنصر المظلوم؟ كيف يمكن للعالم أن يخرج من وطأة الظلم؟ كيف تنجح مشاريع الإصلاح ما دمنا لا نميز بين الجاني والضحية؟ من سينتصر أخيرا بعد كل هذه الخسائر؟ تعتصر روحي وتضطرب بعد كل محاولة للفهم، فيكاد رأسي ينفجر من شدة الحيرة، ووسط هذه الضوضاء، أغمض عيني وأجر نفسا عميقا، فأتذكر أن مفتاح الشفرات لدى رجل صادق، رجل موعود بإظهار الوجه الحقيقي للسلام، رجل لن يأتي لمصلحة شخصية، فلا تراق على يديه دماء الأبرياء، سيعيد كل شيء إلى مكانه الصحيح، حينها ستبصر عيني الثالثة حقا، فأربط حبال الآمال المقطعة بذكره، فيمسح على قلبي المحزون، ويعيد إلي شيئا من الأمل المفقود لأكمل به أيام انتظاري له، فإنه "يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما"(1). ................ (1) بحار الأنوار: ج51، ص٧٤.