مقاطعة المتخلفين الثلاثة.. تربية قرآنية قويمة

عبير عبّاس المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 34

إن غزوة (تبوك) الواقعة في غرة شهر رمضان من العام (٩هـ) من الغزوات الغنية بالأحداث، والمعطيات، والأسباب، والنتائج الإستراتيجية، والدروس والعبر، إلا أن درسا من دروسها لافت للنظر بشكل مميز، ألا وهو قصة الثلاثة المتخلفين عن الجهاد. وردت قصتهم في قوله تعالى: )وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتىٰ إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم( (التوبة:118)، وهؤلاء الثلاثة هم (كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال بن أمية)، إذ امتنعوا من المسير مع النبي (صلى الله عليه وآله) والاشتراك في غزوة (تبوك)، وذلك ليس لكونهم جزءا من المنافقين، بل لكسلهم وتثاقلهم، فلم يمض زمان حتى ندموا، فلما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) من غزوة (تبوك)، حضروا عنده وطلبوا منه العفو عن تقصيرهم، إلا أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكلمهم حتى بكلمة واحدة، وأمر المسلمين أيضا أن لا يكلموهم)(١)، هذه المقاطعة ضيقت عليهم الأرض بما رحبت حتى تركوا المدينة المنورة والتجؤوا إلى قمم الجبال ليداروا فضيحتهم، فعاشوا سجنا نفسيا مظلما، لم يتنور إلا بالتوبة الحقيقية الصادقة التي بدت ملامحها واضحة، ولصدقهم في طلب التوبة نزلت آية تبين قبول توبتهم بعد (50) يوما من الترقب، والخضوع، والتذلل إلى الله تعالى. الدروس المستفادة من القصة: ١ـ الحصار الاجتماعي لمن يعصي أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) له من التأثير الإيجابي في حصر المعصية في ضمن نطاقها لمعالجتها قبل أن تستفحل بهدف تربية الفرد العاصي تربية دينية واجتماعية لعدم تكرار الخطأ مجددا وليكون عبرة لغيره. ٢ـ أهمية المجتمع في مكافحة المعصية عبر تكاتف جميع أفراده في مقاطعة العاصين وتحجيم المعصية في ضمن أطر محددة لتسهيل معالجتها، وضمان عدم انتشارها في المجتمع مستقبلا واجب اجتماعي وفردي على السواء. ٣ـ أهمية الأسرة في مقاطعة العاصين لا تقل أهمية عن المقاطعة الاجتماعية لهم، ففي قصة المتخلفين الثلاثة حتى عوائلهم قاطعوهم، ولم يقتربوا منهم وهم في المنزل ذاته بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله)، كان له الأثر الكبير في ندمهم على تخلفهم. ٤ـ التسليم لأمر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وانتظار التوبة من الله تعالى، والتضرع إليه، حتى تاب الله سبحانه عليهم بعد (50) يوما من المقاطعة الاجتماعية. ٥ـ تنظيم المجتمع بطاعة الله تعالى ورسوله (صلوات الله عليه)، وتفعيل قوانين الشريعة هو الحل الأمثل لخلق مجتمع مثالي. ٦ـ إدراك المسلم لأهميته بوصفه عنصرا فاعلا في المجتمع الإسلامي، وانعكاس صورة إيجابية عن المسلمين لدى المجتمعات الأخرى. عن طريق التمسك بالتربية القرآنية ندرك مسؤوليتنا بوصفنا مسلمين في الحفاظ على المجتمع الإسلامي من بوادر الانحراف على كافة الصعد، بدءا من الأسرة وانتهاء بالمجتمع، وإلا ستنتشر مظاهر الفساد والمعاصي في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس؛ لذلك علينا أن نتسلح بالوعي الديني والاجتماعي لحماية المجتمع من الانجرار خلف مخططات أعداء الإسلام التي تهدف إلى تشويه الدين وتعقيده. ......................... (١) تفسير الأمثل: ج٦، ص٢٤٦-٢٤٧. (٢) المصدر نفسه: ص٢٤٧.