الدعاء: أهميته وآثاره

هيفاء أمين فوعانيّ/ لبنان
عدد المشاهدات : 32

ورد عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "الدعاء مخ العبادة"(1)، فالدعاء وسيلة اليقظة، والهداية، والتعليم، والتربية الذاتية والإنسانية في آن واحد، فلا خير فيمن لم يلتزم بما تعلم؛ لأن من يمتلك الإمكانات فعليه أن يستثمرها، ومن هذه النقطة المبدئية سيحاسب الإنسان، وقد جاء في قوله تعالى: )قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ((الزمر:9)، وكذلك في يوم القيامة سيحتج الله تعالى على الجاهل لعدم تعلمه، وسيحتج على العالم لعدم عمله على إعمار، الحياة وهدر الطاقات، عندها ستصبح الحياة عبارة عن معارك، ورعب، وموت، وفوضى، من هنا ندرك أن الدعاء محفز وشاحذ للهمم العليا عبر القيام بحسن الواجبات، وتجنب القيام بعكسها؛ لذا يصبح العالم بمضامين الدعاء ملزما بما علم، ووعى، وأدرك، ومن ثم مسؤولا عن علمه وعمله. وقد ورد عن الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "أفضل عبادة أمتي بعد قراءة القرآن الدعاء"(2)، وذلك لأهمية الدعاء وتأثيره في الروح بشكل عملي، ولأنه أساس مهم للتأثير في مصير الإنسان الصالح الساعي إلى سعادة الدارين، فالإنسان مسؤول أمام الواحد الأحد أن يعيش حياة هادفة ناتجة عن معرفته لوظائفه، والالتزام بها، وهذا ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى: )أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون( (المؤمنون:15)، والإطلاق في الخطاب القرآني يطول الجميع. ومن أهم آداب الدعاء الفهم، وهذا ما أكده أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "لا خير في عبادة بلا فقه، ولا في قراءة بلا تدبر"(3)، وبما أن الفهم أساس الدعاء؛ لذا تترتب عليه آثار كثيرة، أهمها: 1ـ الإقرار بالعبودية. 2ـ نبذ الكبر والتكبر. 3ـ السير مع العقل. 4ـ الاعتراف بالنعم. 5ـ تفعيل الرقابة الذاتية. 6ـ استحضار أهوال يوم القيامة. 7ـ تحديد العدو، وأهميته في محاسبة النفس. 8ـ الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى. 9ـ شحذ الهمم، والعزم عبر بعث الطاقة الإيجابية والحيوية في النفس، وإلزامها، واستثمارها في الحياة، والعمل الصالح، ونبذ الخمول، والكسل. 10ـ المعالجة النفسية والروحية للأمراض المهلكة كالكآبة وضغط الدم، وعلاجها عند الطبيب الحقيقي، وهو الله سبحانه. آثار الدعاء: 1ـ عدم الخروج عن الجادة الإنسانية. 2ـ ثبات العزم والرضا في حالة الطوارئ. 3ـ الرضا، والتسليم في الحوادث غير الاختيارية، كالابتلاءات بأنواعها. 4ـ مواجهة الحوادث الاختيارية، كتقرير المصير، والاختيارات الفردية والجماعية التي تتطلب الكثير من الوعي للمواجهة والمجاهدة. يتضح جانب السعي الحثيث، والدؤوب المضاف إليه الثبات، والعزم في القلب، والإرادة، إضافة إلى الاستقرار النفسي، فكل ذلك يتحول إلى قوة عظمى تغييرية هادفة في الحياة للوصول إلى الخير العام، والعمران البشري، وأفضل مصداق لذلك قوله تعالى: )إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ (الرعد:11)، ومن هنا يظهر بأن الرقي له طريق واحد، ألا وهو الكفاح والمجاهدة، عندها يصل الإنسان إلى الكمال في طاعة الله تعالى، وهذه الطاعة تكون اختيارية، وحبا لله سبحانه ورضا وتسليما، والتي عرفها أمير المؤمنين (عليه السلام) على أنها الطاعة الحرة، عندها يصل الإنسان إلى مرتبة فوق رتبة الملائكة. إذا الدعاء أساس العبادة، وسر قوتها، وروح قوامها؛ لأن الداعي إنما يدعو ربه وهو عالم يقينا أن لا يجلب الخير أو يدفع الضر غير الله جل وعلا، وهذه هي حقيقة التوحيد، والإخلاص، ولا عبادة أعظم من الدعاء، ومن أكثر من الدعاء وداوم عليه، أحس بلذة القرب من الله تعالى، والإخلاص، والانقطاع إليه. ................... (1) وسائل الشيعة: ج7، ص27. (2) بحار الأنوار: ج90، ص300. (3) ميزان الحكمة: ج3، ص2459.