رياض الزهراء العدد 84 ألم الجراح
جراحاتٌ لا تلتئمُ
في مقبرة الحَجُون رأيتُ قبوراً تشعُّ أنواراً بهيةً، وتتضوعُ من عبيرِها نفحاتٌ قدسيةٌ.. وقفتُ على قبرِ خديجة الكبرى أم الزهراء (عليها السلام)، وقد عانتِ الكثيرَ من الصعابِ قُبيلَ وفاتِها.. حاملةً معَ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) ما استطاعتْ حملَهُ من أعباءِ الرسالةِ المحمديةِ.. قد توفيتْ بعدَ ألمِ المرضِ ومداراتِهِ تاركةً بصمةَ الولاءِ والوفاءِ للعقيدةِ الإسلاميةِ.. وقد قالَ النبيُّ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله): "خديجةٌ وأينَ مثلُ خديجةَ، صدقتني حينَ كذبني الناسُ، وآزرتني على دينِ اللهِ، وأعانتني عليه بمالِها، إن اللهَ (عز وجل) أمرني أن أبشرَ خديجةَ ببيتٍ في الجنةِ مِن قصبِ الزمرّدِ لا صخبَ فيه ولا نصبَ".(1) أفلتْ شمسُها المضيئةُ، وكانَ غيابُها كالليلِ المظلمِ مما أحزنَ قلبَ المصطفى (صلى الله عليه وآله).. وبعدما سحبَ الظلامُ أثوابَهُ خوفاً من أنْ يحرقَهَا وَهَجُ الصباحِ عرجتْ بروحٍ متألمةٍ حيثُ بيتُ اللهِ ومحرابُ المرتضى (عليه السلام).. قد ضُربتْ هامتَهُ الشريفةَ حينما هوى إلى السجودِ وإذا بالمنادي ينادي تهدمَتْ واللهِ أركانُ الهُدى، وانفصمتِ العروةُ الوُثقى.. في هذا اليومِ جُرِحَ الإمامُ (عليه السلام)، ثم قضى نحبَهُ، وعرجتْ روحُهُ الشريفةُ إلى بارئِها حيثُ جنةُ الخلدِ، وقد انطوتْ صفحةُ الحقِ، إذ كانتْ مشرقةً بنورِ العلمِ والإيمانِ والمعرفةِ.. ثم رأيتُ أراملَ ثاكلاتٍ، ويتامى قد ارتسمتْ في وجوهِهِم تقاطيعُ الحزنِ.. يقفونَ ببابِ أبي الأيتامِ يذرفونَ دموعاً ممزوجةً بدمِ الحسرةِ.. كيفَ لا يبكونَ على مَن كانَ فعلاً أباً رحيماً رؤوماً لهم.. مولاي يا أميرَ المؤمنينَ، كيفَ لا ترتجُ أركانُ الدنيا وأنتَ مَن أثبتَ أركانَ الدينِ بكلمةِ الحقِ حيثُ يدارُ معكَ.. مولاي، عرجتْ روحُكَ الطاهرةُ إلى بارئِها.. لكنكَ استقررتَ في وعي الزمنِ فأنتَ خالدٌ لا تموتُ.. فاسمكَ سيبقى في الآفاقِ عالياً يا عليُ.. وتلتقي الجراحاتُ كالسيلِ العَرِمِ مَعَ جراحاتِ سامراءَ الجريحةِ.. لتصدحَ بصوتٍ يدوي لبيكَ يا عليُ، لبيكَ يا عليُ. ............................ (1) بحار الأنوار: ج43، ص131.