قوة الدرر: أموال السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام) أنموذجا
اليابانيون على علم بتأثير ثلاث قوى: قوة السيف، وقوة المرايا، وقوة الدرر؛ لذلك نستطيع أن نستشف أسباب نجاح اليابانيين وتطورهم من جميع النواحي، ألا وهو اهتمامهم بهذه القوى الثلاث، فالسيف يرمز إلى سلطة السلاح، والمرايا ترمز إلى أهمية معرفة الذات، أما الدرر فتشير إلى قوة المال، والقوة الأخيرة هي محور حديثنا في هذا المقال. للمال طاقة كبيرة، وهيمنة عظيمة، وهذا ما نشهده بالفعل على أرض الواقع، فالمتمكن ماديا، مهاب وصاحب سلطة، سواء كان المال متوفرا عند الدول أو الأشخاص، فمثلما تقول الحكمة: (إن من يحوز المال هو من يضع القواعد)، لكن من المؤمنين من يعتقد أن المال منقصة للدين، وأن جمعه خطيئة، والتفكير به إلهاء عن الروحانية، وعليه، لابد من الابتعاد عنه، والزهد به طريق معبد إلى الجنة، فيتركون السعي في الحصول عليه، وفي هذه النظرية بعضا من الصحة، لاسيما لدى النفوس الضعيفة التي يفسدها ويعميها بريق الدراهم عن النهج الذي أرادنا الله تعالى أن نسلكه، لكن تستوقفنا في التاريخ بعض المواقف والشخصيات، تجعل هذا النمط من التفكير مغايرا للصحة، وأهم اسم يخطر ببال أي مسلم، هو السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام)، وتضيء في أذهاننا تلك الكلمات التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة، وسيف علي بن أبي طالب"(1). إن السيدة خديجة (عليها السلام) قد اصطفاها الباري (عز وجل)، وجعلها من المختارات مع السيدة الزهراء (عليها السلام) والسيدة مريم وآسية (عليهما السلام)، وشيد الدين بمال السيدة خديجة (عليها السلام)، وقويت شوكته وثبتت دعائمه. لقد نصرت (عليها السلام) بحق الرسالة الإسلامية بكل ما أوتيت من جهد وعزيمة، ووهبت نفسها ومالها وعبيدها وجميع ما تملك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعلته تحت تصرفه، فكانت مثالا عمليا لدعاء الإمام السجاد (عليه السلام): "واستعملني بما تسألني غدا عنه"(2)، وتعد (عليها السلام) وفق مصطلحات عصرنا الحاضر رائدة الأعمال، وبفضلها أصبح للثروة قيمة كبيرة، وباتت (عليها السلام) قدوة في كل المجالات، وأنموذجا فريدا إلى يومنا هذا في التجارة وكيفية استثمار المال، وساعدها في ذلك عدة عوامل منها: 1ـ الوقت المناسب: وهو بداية عهد الإسلام، إذ كان الكثير من الناس بأمس الحاجة إلى المال. 2ـ الشخص المناسب: وهو سيد البشرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي أدار تلك الثروة الهائلة التي كانت تمتلكها. فطوبى لمن أخلصت لله تعالى إيمانها وعملها ومالها، وسلام عليها يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث مقاما محمودا. .............................. (1) حلية الأبرار: ج1، ص147 (2) الصحيفة السجادية: ص99.