رياض الزهراء العدد 216 ألم الجراح
علي! أنت القضية
انتظرت بشوق تلك العائدة بصمت مرير، يحمل ألم الماضي وذبول خيبة الأمل.. دربها شائك ومحطم، والبين قد آل على نفسه أن يوقعها ويقيدها في وحدتها.. ضاعت ضحكتها وكادت تختفي في مفرق الآهات؛ لكنها تحملت قدرها لتنهض من مقبرة اليأس، وحاولت أن تطوي صفحات ذلك الماضي القاسي لكي توقظ جمال الطمأنينة في شهر الله سبحانه، وتعيد للأرض سر سكونها بعد الفوضى والضجيج، لكن من بين أسوار آماقها هربت دمعة تائهة بين سنين الضياع، تترنح فوق خدود الذكرى، تسللت إلى حنايا الأضلاع لينقشع معها وهم الفرح والمسرات.. ذكرى غرزت آلاف السهام في أوتاد مدينتي (سامراء) وتركتها تعيش وجع جراحها وتنزف أحزانها.. تبكي بصراخ ينزع الآهات، ودمع يكتب الكربات، ملأ الخافقين نداء يذوب الصخر منه، ويضج لهوله العالمون: وداعا يا علي، وداعا يا علي.. وداعا يا جار المستضعفين، وداعا يا قائد الغر المحجلين، وداعا يا دستور الدين، وداعا معالم الحقيقة التي لن يمحوها الظالمين.. ومضت تناجي حزنها بعد ما ملأت رئة الحياة بشهيق الفقد، فجرح سيوف الظلام كان عميقا، هدم أركان الهدى قبل أركانها، وزلزل خشوع السجود عندما سالت دماء مقدسة قربانا لحقيقة لا يخشاها تائب.. بدأ كل شيء عندما قال الوحي كلمته، وجعل عليا (عليه السلام) جليس الحق.. فوقع عندها النبض في هواك يا علي.. فكنت أنت الحياة وبصيص أمل ينتشي بأضحوكة الزمن العليل.. كنت ولا تزال تسكن أنفاس الظل واهبا ثنايا الروح ريانا.. وفي رتق حزن فراقك يا مولاي وإن كنا نتلعثم بجرح ما يزال يسكن في ذاكرة الوجد.. سنمسك خيوطك المتناهية بإحكام القبضات لتنتصر لك.. وستبقى وجوهنا تطارد نقاءك لترتوي من فيض علمك كياسمينة بللها الندى.. وستبقى تلتحف عندك الروح بالدفء واليقين، وسيرتعش خافقها ليشعل الشوق شموع اللقاء إن دنا منا القضاء.. قضاء قد رضينا به، وإنا بأمر الله تعالى نرضى طائعين..