شهيد الأطراف..صدى للتضحية

حوراء صادق قره/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 12

تمضي السنين بأيامها، لا تغيب الأحداث عن ذاكرتي، ترتسم الصورة في مخيلتي كلما تذكرت تلك الحادثة التي ما تزال تعيش معي، كأنني أسمع صوت أنفاسي وأشم رائحة البارود التي ملأت الفضاء من حولي، في ذلك اليوم الحارق والشمس ترسل أشعتها على الجبهة، محملة بالرجاء والألم، ناداني أصدقائي في السواتر الأمامية بلهفة: حامد، لقد نفد منا الماء. فأجبتهم بفطرتي: أبشروا، مسافة الطريق وسأكون عندكم والماء معي. كنت مستبشرا، كأنني أرى الفرح في قلوبهم قبل وجوههم، في تلك اللحظة، دار في مخيلتي صورة الركب الحسيني في كربلاء وهم ينتظرون مجيء الساقي أبي الفضل العباس (عليه السلام) ليرويهم، أخذني خيالي إلى كربلاء، إلى تلك الأرض التي روتها دماء الشهداء الطاهرين. ملأت سيارتي بالماء والطعام وكلي أمل في أن أوصل الماء إلى رفاقي، توكلت على الله تعالى وانطلقت مسرعا، أقطع المسافات بقوة التوكل والإصرار، لكن القصة لم تكتمل ولم أستطع الوصول، فعلى بعد أمتار معدودة من مكانهم، انفجرت عبوة الغدر، فزلزلت وأحرقت فؤادي قبل سيارتي، ذبحت أحلامي في لحظة، اشتعلت النيران من حولي، كنت أحاول استيعاب ما حدث، لكني أدركت أن النيران تأكل كل شيء، كأنني في عالم البرزخ، لا أدري أين أنا؟ ظننت حينها أنني فارقت الحياة والتحقت روحي بالشهداء، فلطالما تمنيت أن أنال الشهادة، لكني حصلت على الشهادة بشكل مختلف تماما. مضت لحظات، بل دقائق كأنها عقود، شعرت كأن مولاتي أم البنين (عليها السلام) غطتني بعباءتها، شعور غريب لامس قلبي، حاولت جاهدا أن أخرج من سيارتي، لكني شعرت أن أطرافي لا تحملني إلى مقصدي، فأدركت حينها أن العبوة الناسفة لم تكتف بإلحاق الضرر من حولي، بل أخذت أطرافي التي كنت أعتمد عليها في دفاعي عن الوطن، في تلك اللحظة أخذتني أفكاري إلى كربلاء، تحديدا إلى إمامنا السجاد (عليه السلام)، ساعد الله قلبه وهو مقيد بالحبال والسلاسل، ثم تذكرت مولانا أبا الفضل العباس (عليه السلام)، فجأة مر نسيم بارد لامس فؤادي، كأنه رسالة اطمئنان وسكينة، فاستبشرت فرحا، وأيقنت أن أطرافي التحقت بكفي مولاي العباس (عليه السلام) مواساة له، إنها تجارة مع الله تعالى، تجارة العارفين الرابحة، فلم أنس شعاري الذي رافقني طوال أيام عمري: (يا أبا الفضل العباس، أغثني)، النداء الذي أمسى يخرج من أعماق قلبي الجريح ليعانق السماء، وأنا أخبر أصدقائي بصوت حزين، إذ كان الخجل يقطع نياط قلبي: فقط أوصلوا إليهم الماء. )رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا( (الأحزاب:23).