رياض الزهراء العدد 88 أبطال الطف
المُتَرَبُّونَ فِي كَنَفِ الأَبرَار
“يا بُنيّ، كيف الموت عندك؟” “يا عمّ، أحلى من العسل”(1) حوارٌ دار بين القاسم(عليه السلام)وعمّه الحسين(عليه السلام)في يوم العاشر من المحرّم بعد أن عزّ الناصر، واستشهد الأصحاب وعدد من أهل بيت سيّد الشهداء (عليه السلام). يفاجئنا أن تكون هذه الكلمات لصبيّ لم يبلغ الحلم، يصف فيها طعم الموت في سبيل عمّه الحسين (عليه السلام)، لا لأنه عمّه، بل لأنه إمام زمانه، وفي هذا المقام لا يسع المرء إلا التأمل مليّاً في عظمة هذا الكلام، وعظمة قائله. لكن ما معنى أن يكون طعم الموت عند القاسم(عليه السلام)أحلى من العسل؟ إنّ عشق الشهادة في سبيل الله كان مختمراً في قلب القاسم(عليه السلام)وعقله، على الرغم من صغر سنّه، فكان نافذ البصيرة في تشخيص جبهة الحق المتمثّلة بسيّد الشهداء (عليه السلام)، بل في بذل النفس دفاعاً عن هذا الحق المبين، وما يلفت النظر هو إصرار القاسم وإخلاصه وتفانيه في نصرة إمام زمانه، فعندما تقدّم(عليه السلام)إلى الميدان ردّه الإمام(عليه السلام)عن القتال، لكنّ مثل القاسم(عليه السلام)لا يرضى إلّا بنصرة إمام زمانه، ولم يكن تقديم النفس أمراً مرّاً أو ثقيلاً يُقدم عليه، إنما كان ذا لذة وحلاوة لا يدركها إلاّ الخواص، إذ ليس بعد الشهادة إلا الوصول إلى لقاء الله ورضوانه، ولهذا السبب عدّ القاسم(عليه السلام)طعم الموت أحلى من العسل. وكيف لا يكون كذلك؟! والمربّي له عمّه الإمام الحسين (عليه السلام)، كافله ومُلهمه مُذ كان ابن سنتين بعد شهادة أبيه الحسن (عليه السلام). فالقاسم(عليه السلام)وغيره من المتربّين في كنف أهل بيت النبوة (عليهم السلام) يتَربّون بأرقى تربية، فمثل هؤلاء لا وجود للعبث حتّى في لعب صغارهم، بل لعبهم لعبٌ توحيدي وموجّهٌ نحو الهدف. وهنا تختلج الأسئلة: هل نحرص في تربية أطفالنا على توجيههم نحو الأهداف السامية، وعلى تنمية الوعي في ذواتهم في مراحل مبكرة؟ إذ إنهم أمانة الله المستودعة عند كلّ منّا، وسيأتي اليوم الذي يُنادى فيه: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ).(2) وهل نعدّ أولاداً يشبهون القاسم(عليه السلام)في وعيه، ورباطة جأشه، ونصرته لإمام زمانه؟ ............................... (1) كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ج1، ص400. (2) (الصافات:24).