شهر رمضان المبارك: فصل جديد لتهذيب القلوب وصناعة القيم

زينب شاكر السماك/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 5

يأتي الشهر الفضيل محملا بالنفحات الإيمانية؛ ليعيد ترتيب أولوياتنا، ويغذي أرواحنا بالقيم السامية، نعلم فيه أبناءنا كيف يتحول هذ الشهر إلى تجربة غنية مليئة بالعبادة، والمساعدة، والتعلم، والإيثار، وهذه المسؤولية المزدوجة بالنسبة لي لكوني مدرسة وأما لا تقتصر على أداء الواجبات اليومية، بل تمتد إلى غرس حب الشهر الفضيل في قلوب الأبناء، وتعليمهم كيفية استثماره لبناء شخصياتهم، ففي المنزل، يبدأ التحضير لشهر رمضان المبارك بمشاركة ابنتي الصغيرة في فهم روح الشهر، وأدرك أن الصيام قد يكون صعبا على طفلة في سنواتها الأولى من التجربة؛ لذلك أحرص على جعله ممتعا ومليئا بالدروس الملهمة، فأعد لها جدولا يوميا يتضمن وقتا للعبادة، كالصلاة، وقراءة القرآن، إلى جانب وقت للراحة والدراسة، وأستثمر أوقاتنا المشتركة في سرد القصص عن سيرة النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)، مركزة على القيم التي يجسدها شهر رمضان، كالصبر، والإيثار، والكرم. أما في المدرسة، فإن مهمتي تتطلب توازنا بين تقديم المادة العلمية للطلاب، وبين تعريفهم على الروحانية في هذا الشهر الفضيل، فطلابي من المرحلة المتوسطة، وهم في أعمار مليئة بالطاقة والتحديات، فأحرص على مراعاة ظروفهم وتخفيف العبء عنهم، وأشاركهم قصصا عن أبطال الأمة الإسلامية، وكيف كانوا يستثمرون شهر رمضان في العمل والإبداع، وأحفزهم على القيام بأعمال خيرية بسيطة، كالتبرع بالكتب، أو المساعدة في تنظيم أنشطة المدرسة. الإيثار هو أحد الدروس العظيمة التي يحملها لنا الشهر الفضيل، فأحرص على جعله محورا في تعاملي مع ابنتي وطلابي، وأشرح لهم أن الإيثار لا يعني إعطاء المال فقط، بل يمكن أن يكون بمساعدة زميل في الدراسة، أو تقديم كلمة طيبة في المنزل، وأشجع ابنتي على إعداد وجبات بسيطة وتوزيعها على الجيران أو المحتاجين، وفي المدرسة، أنظم أنشطة تطوعية تشعر الطلاب بفرحة العطاء وتأثيره الإيجابي في المجتمع. شهر رمضان المبارك أيضا فرصة عظيمة لكيفية إدارة الوقت بفعالية، فأعلم ابنتي وطلابي أهمية تنظيم أوقاتهم بين العبادة، والدراسة، والراحة، وأضع لهم أمثلة عملية، كتخصيص وقت للصلاة وقراءة القرآن في الصباح قبل الذهاب إلى المدرسة، ووقت آخر للدراسة بعد الإفطار، وأوضح لهم أن التوازن بين العمل والروحانية، يجعل من الشهر الفضيل تجربة ثرية ومليئة بالإنجاز. إن هذا الشهر الكريم لا يقتصر على كونه موسما للعبادة، بل هو فرصة عظيمة للأمهات والملاك التعليمي لغرس القيم الإسلامية، وترسيخها في نفوس الأجيال القادمة، ومن واجب الأمهات والمعلمات اقتناص هذه الفرصة العظيمة، واستثمارها في بناء جيل واعٍ يتمسك بثقافته الإسلامية، ويستشعر قيمها في حياته اليومية، فالشهر الفضيل ليس مجرد أيام تمر، بل هو مدرسة متكاملة تفتح أبوابها كل عام لتعليمنا كيف نعيش حياة متوازنة بين العبادة، وبين سائر أعمالنا الصالحة، ومسؤولياتنا في الحياة.