المؤاخاة نهج الأنبياء (عليهم السلام)
المؤاخاة والمخاطبة بالأخوة أسلوب في الدعوة لجأ إليه الأنبياء (عليهم السلام) لتليين قلوب أممهم، وتذكيرهم بعبوديتهم لله تعالى، ولتذكيرهم بالإنسانية التي تجمعهم من دون تفرقة أو استعلاء يدفع إلى الظلم والعدوان، وقد ورد في القرآن الكريم نماذج على ذلك، منها قوله تعالى: )وإلىٰ عادٍ أخاهم هودا( (هود:50)، )وإلى مدين أخاهم شعيبا( (الأعراف:85)، و) ولقد أرسلنا إلىٰ ثمود أخاهم صالحا( (النمل:45)؛ لكن المؤاخاة التي قدمها سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) كانت مختلفة، وتعد الوجه الأرقى، والأنموذج الأعلى لما سبقه من أمم الأنبياء (عليهم السلام)، فهي ليست خطابا اتخذه لجذب القلوب، بل أمر وجه إلى أناس اتفقوا على عقيدة واحدة، وآمنوا بنبي واحد، وهاجروا من أجل رسالته. فكانت المؤاخاة من أولى خطوات النبي (صلى الله عليه وآله) المباركة في المدينة المنورة، وقد أمر (صلى عليه وآله) بها في السنة الأولى من الهجرة، إذ آخى بين المهاجرين والأنصار على أساس الحق والمواساة، ويتوارثون بعد الممات من دون ذوي الأرحام، وكان عددهم تسعين رجلا، خمسة وأربعون من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار، وقيل مائة، خمسون من المهاجرين، وخمسون من الأنصار(1). وضمت المؤاخاة شكلا فريدا آخر، وهو المؤاخاة بين المهاجري والمهاجري، ويظهر أن هذه المؤاخاة كانت بين مهاجري ومهاجري ثم بين المهاجري والأنصاري، وبين أنصاري وأنصاري، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة مولاه، وعمل بها حتى قال زيد بن حارثة عن ابنة حمزة: ابنة أخي(2) معتزا بهذه المؤاخاة، وبين جعفر بن أبي طالب وهو غائب بالحبشة ومعاذ بن جبل، وبين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمر، وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: هذا أخي(3)، وفي ذلك قال أبو تمام: أخوه إذا عد الفخار وصهره فما مثله أخ ولا مثله صهر(4) أسهمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في خلق مجتمع مسلم قوي، يستند على عقيدة تذيب العصبية، وتدعو إلى المحبة في الله تعالى، وتقديم الإيثار والنصح، فلا ولاء إلا لله تعالى، وللرسول (صلى الله عليه وآله)، وللمؤمنين، تاركة درسا عظيما لكل من جاء بعدهم من الأجيال، دروسا في النصح والإيثار ومحبة المسلم أخاه المسلم. ....................... (1) أعيان الشيعة: ج1، ص239. (2) موسوعة الغدير: ج3، ص174. (3) الأمثل في كتاب الله المنزل: ج5، ص200. (4)ديوان أبي تمام: ص153.