أطهر طاهرين

رحاب جواد القزويني/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 4

كذبتم وبيت الله نترك مكة ونظعن إلا أمركم في بلابل كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ولما نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل(1) هذه أبيات من القصيدة اللامية الشهيرة التي أنشأها سيد البطحاء مؤمن قريش أبو طالب (عليه السلام) في الدفاع عن النبي محمد (صلی الله عليه وآله) وحمايته في شعب أبي طالب، في ظروف كان المسلمون يعيشون حياة قاسية وصعبة، وقد طلب المشركون من أبي طالب (عليه السلام) أن يسلم النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم، لكنه وقف أمامهم وقام بمعارضتهم، وأنشأ قصيدته اللامية معلنا عن دعمه ونصرته للنبي (صلی الله عليه وآله) والذود عنه بالغالي والنفيس، وهذه القصيدة ليست سوى غيض من فيض مما جاء في ديوان شعره من المضامين العالية التي تشمل: العلم بالله تعالى وبتدبيره، العلم برسالاته وأنبيائه وكتبهم، العلم برسوله محمد (صلى الله عليه وآله) ومنزلته عند االله تعالى، العلم بأنساب العرب وعاداتها وأيامها، العلم باللغة العربية وعلومها وأساليبها، العلم بولاية ابنه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، العلم بما تعرض له رسول الله (صلى الله عليه وآله) على يد قريش وحلفائها من العرب، وغيرها من المواضيع العقائدية والأخلاقية؛ لذلك ورد الحث من المعصومين (عليهم السلام) على تدوين أشعاره (عليه السلام) وتعلمها وتعليمها، وجعلها بابا من أبواب العلم والمعرفة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعجبه أن يروى شعر أبي طالب (عليه السلام) وأن يدون، وقال: تعلموه، وعلموه أولادكم فإنه على دين الله وفيه علم كثير"(2)، فأبو طالب (عليه السلام) كان آخر الحجج في عهد (الفترة)، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما سئل: من كان آخر الأوصياء قبل النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "أبي"(3)، وعن درست بن أبي منصور أنه سأل الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): أكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) محجوجا بأبي طالب؟ فقال: "لا، ولكنه كان مستودعا للوصايا فدفعها إليه ـ صلى الله عليه وآله ـ"(4)، وسيرة سيد البطحاء تنبئ عن علمه اللدني المتصل بالسماء، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "إن فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب لتبشره بمولد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال أبو طالب: اصبري سبتا أبشرك بمثله إلا النبوة، وقال: السبت ثلاثون سنة، وكان بين رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ثلاثون سنة"(5)، ومما جاء في خطبة نكاح النبي (صلى الله عليه وآله) والسيدة خديجة الكبرى (عليه السلام) قول أبي طالب (عليه السلام): "إن ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجلٍ من قريشٍ إلا رجح، ولا يقاس بأحدٍ منهم إلا عظم عنه...وله خطر عظيم وشأن رفيع"(6). أما عن مقاماته الأخرى ودرجاته الرفيعة، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "والذي بعث محمدا بالحق إن نور أبي طالبٍ يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار: نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمة، ألا إن نوره من نورنا، خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عامٍ‏"(7)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "إن الله كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار، وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار وهو النور الذي خلق منه محمدا وعليا، فلم يزالا نورين أولين إذ لا شيء كون قبلهما، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة، حتى افترقا في أطهر طاهرين: في عبد الله وأبي طالب عليهما السلام"(8). ولا يخفى على أحد مقام سيد البطحاء الناصر للرسالة وللرسول (صلى الله عليه وآله) بمختلف أشكال الحماية والنصرة، فقد جاء عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): "إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: إني أيدتك بشيعتين: شيعة تنصرك سرا، وشيعة تنصرك علانية، فأما التي تنصرك سرا فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب، وأما التي تنصرك علانية فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب"(9)، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "ما زالت قريش قاعدة عني حتى مات أبو طالب"(10)، فسمى النبي (صلى الله عليه وآله) العام الذي توفي فيه أبو طالب والسيدة خديجة (عليهما السلام) بـ(عام الحزن)، وقد ورد في الأخبار المستفيضة أن جبرئيل (عليه السلام) نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند موت أبي طالب (عليه السلام) فقال له: "يا محمد، إن ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: اخرج من مكة فقد مات ناصرك"(11). فالسلام ﻋلى ﺍﻟﺬﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻟﺒﺎﺫﻝ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ‌ ﻧﺼﺮﺓ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ (صلوات الله عليهم أجمعين). ................... (1) ديوان أبي طالب (عليه السلام): ص29. (2) بحار الأنوار: ج9، ص24. (3) موسوعة الغدير: ج7، ص٣٨٩. (4) شرح أصول الكافي: ج7، ص١٧١. (5) بحار الأنوار: ج35، ص6. (6) من لا يحضره الفقيه: ج3، ص398. (7) كنز الفوائد: ج1، ص183. (8) الكافي: ج1، ص442. (9) إيمان أبي طالب (عليه السلام): ص90. (10) بحار الأنوار: ج19، ص25. (11) المصدر نفسه: ج35، ص174.