أثر الدعاء في الصحة النفسية

أ‌.د. سعاد سبتي الشاوي/بغداد
عدد المشاهدات : 6

شهر رمضان المبارك هو نفحة من السماء إلى أهل الأرض، تجدد فيه النفوس، وتصفو القلوب، وتعلو الأرواح في مدارج السمو والسكينة، فرض الله سبحانه وتعالى الصيام في هذا الشهر ليكون مدرسة للتقوى والصلاح، فقد جاء في قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون( (البقرة: 183)، فالشهر الفضيل رحلة روحانية عميقة تعيد صياغة علاقتنا بالله تعالى، وبأنفسنا، وبمن حولنا، ومن الشعائر في هذا الشهر المبارك، التي تنبض بالمعاني السامية الدعاء الذي يترك أثرا عميقا في النفس، منعشا الروح ومعززا للطمأنينة. الدعاء في شهر رمضان المبارك ليس مجرد كلمات تقال، بل هو حوار مهيب بين العبد وربه، تتناغم فيه النفس مع الروح، لتلامس أعتاب السماء، هذا الحوار الإيماني يبعث في النفس راحة وسكينة لا مثيل لهما، ويعد علاجا فعالا لأوجاع القلب وضغوط الحياة. أثر الدعاء في الصحة النفسية يتجلى في الآتي: 1ـ السكينة الداخلية: فحين يبث الإنسان همومه وأمانيه بين يدي خالقه، ينساب إلى قلبه شعور بالراحة العميقة، كأن عبء الحياة قد زال عن كاهله. 2ـ التنفيس العاطفي: الدعاء وسيلة صادقة لتفريغ المشاعر المكبوتة، من قلق، وحزن، وخوف؛ ليترك النفس في حالة من الصفاء والرضا. 3ـ تعزيز الأمل: الدعاء يشعل جذوة التفاؤل في النفس، ويقوي الإيمان بأن الغد يحمل في طياته رحمة الله تعالى وفرجه. شهر رمضان المبارك يضفي حالة فريدة من التوازن النفسي على الفرد، إذ يتوحد الجسد مع الروح في عبادة خالصة لله تعالى، والدعاء في هذا الشهر الفضيل، يعد المحرك الأساسي لهذا التوازن، فهو يعمق الشعور بالقرب من الله سبحانه، ويمنح الإنسان طاقة إيمانية تعزز من صموده أمام تحديات الحياة. تأثيرات الدعاء الأخرى: 1ـ تجديد العلاقة بالله تعالى: الدعاء يجعل الإنسان يشعر بأنه في حماية خالقه، مما يعزز من ثقته بنفسه، وبقدرته على مواجهة صعوبات الحياة. 2ـ إفراز هرمون السعادة: يساعد الدعاء على تهدئة الجهاز العصبي، والتقليل من التوتر، مما يعزز من الشعور بالسعادة والراحة النفسية. 3ـ تعزيز الروابط الاجتماعية: أداء الدعاء بصورة جماعية في المحافل الرمضانية، أو عند الإفطار، يقوي الروابط بين أفراد المجتمع، ويشيع جوا من الألفة والمحبة. لتحقيق أقصى استفادة من أثر الدعاء في النفس طوال الشهر الفضيل، يمكن تطبيق بعض الإستراتيجيات التي تجعل من الدعاء تجربة روحية فريدة، منها الالتزام بوقت محدد يوميا للدعاء، والاستمرار بالدعاء بعد انتهاء الشهر الكريم يحافظ على أثره النفسي الإيجابي، والتنوع في اختيار الأدعية، وقراءة الأدعية المأثورة والاستماع إليها، يثري النفس، ويجدد الشعور بالقرب من الله تعالى. الدعاء في شهر رمضان المبارك هو نبع الرحمة الذي يفيض على القلوب، وهو السبيل إلى إعادة بناء النفس وترميمها من الداخل في كل لحظة يرفع فيها العبد يديه إلى السماء، فتتساقط عن كاهله أثقال الحياة؛ ليشعر بأنه أقرب ما يكون إلى ربه، فالدعاء ركيزة تعيد إلى النفس بريقها، وإلى الروح ألقها، إنه شهر تتجلى فيه رحمة الله تعالى، فتفيض على العباد سكينة وسلاما، فلا تحرموا أنفسكم من هذه النفحات الربانية، واجعلوا من الدعاء رفيقا دائما في حياتكم، فهو المفتاح الذي يفتح أبواب السماء بالطمأنينة والرضا.