قوة الأثر الإنساني بين الحضور والغياب
العلاقات الاجتماعية ليست مجرد كلمات متبادلة أو مصالح مشتركة، بل هي نافذة لزرع القيم الإنسانية في النفوس، فالإنسان الذي يختار أن يعيش برفق وصدق مع من حوله، لا يعزز من شعور الانتماء والمحبة فحسب، بل يترك أثرا خالدا ينسج ذكريات جميلة تبقى في القلوب حتى بعد غيابه، وهذا المعنى يتجلى بوضوح في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم (غبتم) حنوا إليكم"(1)، هذه الكلمات القليلة تنطوي على حكمة عظيمة تدعونا إلى بناء جسور المودة والألفة مع الآخرين، إنها دعوة صريحة لعيش حياة يظل أثرها حاضرا حتى بعد غياب الأفراد، فما أروع أن يبكي الناس على فقدك، لا لأنك رحلت، بل لأنك كنت شعلة أمل وعطاء أضافت للحياة جمالا ومعنى. شهر رمضان: موسم العطاء من أبهى صور التأثير الإنساني تلك التي تتجسد في شهر رمضان المبارك، إذ يصبح العطاء والتكافل بين الناس عنوانا للحياة، ففي هذا الشهر الكريم، تمتد الأيدي البيضاء لتساعد المحتاجين، وتجتمع القلوب على الخير، وتتشابك الأرواح في عمل إنساني سامٍ، يجعل المجتمع كتلة واحدة تنبض بالمحبة، فموائد الرحمن ليست مجرد طعام يقدم للصائمين، بل هي رمز للوحدة والكرم، فكل طبق يقدم، يحمل رسالة صامتة بأن الخير لا يزال نابضا في النفوس. إنك حين تشاركين في العمل الخيري، سواء بإعداد الطعام، أو تقديمه، حتى الكلمة الطيبة التي تبعث الاطمئنان في نفوس المحتاجين إنما تزرعين بها أثرا عظيما في قلوب الآخرين، أثرا يظل حاضرا حتى بعد انتهاء الشهر الفضيل. كيف تتركين أثرا خالدا؟ الصدق في المعاملة أساس بناء العلاقات الإنسانية، فاجعلي تعاملك مع الآخرين صادقا ومخلصا؛ لأن الصدق يخلق جسرا من الثقة يجعل العلاقات متينة ومستدامة مهما واجهت من أزمات، أما الكلمة الطيبة، فليست مجرد لفظ عابر، بل هي صدقة، تهدي الروح كلمة واحدة قد تكون بلسما يخفف من أوجاع الآخرين، أو شرارة توقظ الأمل في نفوسهم وتجعلهم يتذكرونك بكل حب، مثلما أن المشاركة الفعلية في حياة الآخرين، تضيف بعدا إنسانيا على العلاقات، فالحضور الحقيقي لا يقاس بالكلام فقط، بل بالقدرة على الوقوف مع الآخرين في لحظاتهم الحاسمة، كوني معهم في أفراحهم وأحزانهم، وكوني سندا يخفف عنهم أعباء الحياة. روح التكافل تتجلى عبر المشاركة في المبادرات الإنسانية، بخاصة في المناسبات، كشهر رمضان المبارك، فقدمي ما تستطيعين، سواء كان مالا، أو وقتا، أو جهدا، واعلمي أن ما تقدمينه للآخرين سينعكس عليك بأثر طيب يظل حاضرا في القلوب، ويتردد صداه في الدنيا والآخرة، وإذا أمعنا النظر في الحياة، فسنرى أنها أقصر مما نتخيل، لكن أثر الإنسان يمكن أن يمتد إلى ما بعد رحيله. لا تخالطي الناس طمعا في مصلحة ما، أو طلبا لمكانة، بل لتتركي بصمة جميلة تضيف شيئا نافعا لهذا العالم، وبهذه الروح ستعيشين ذكرى طيبة في قلوب الناس، واسما يذكر بالخير، وفي شهر رمضان المبارك تتضاعف أهمية هذا الأثر، فهو شهر البركة والرحمة، إذ تعظم فيه الأجور، وتغرس فيه قيم العطاء والتآزر. إن تركك بصمة خير في هذا الشهر الفضيل لا يقتصر أثرها في الحاضر، بل يمتد لينير حياة الآخرين، ويعزز من الروح الإنسانية على مر الزمن. ............. (1) ميزان الحكمة: ج3، ص١٩٧٦. (1) المصدر نفسه: ج3، ص٢٦٨٠.