تأثير التكنولوجيا في القيم العاطفية والاجتماعية لدى أجيال اليوم

هاجر حسين الأسدي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 4

إن الانفتاح التكنولوجي يشبه السكين بطرفيها الحاد والناعم، فوجود الأجهزة اللوحية في أيدي الأطفال وانفتاحهم على عالم لم يتم تأطيره بقيم مجتمعية معينة، أدى إلى ظهور سلوكيات دخيلة، من أبرزها العنف، وتبلد المشاعر، وانعدام العاطفة لدى الأطفال والمراهقين، بخاصة المدمنين على ألعاب الفيديو القتالية التي تتضمن فكرة (من يقتل أكثر وأسرع هو الفائز)، مما يجعل الطفل متعطشا للأذى، ويجعل هذا السلوك متجذرا فيه تلقائيا نتيجة التكرار والإدمان على هذه الألعاب، إضافة إلى اعتياده مشاهدة مقاطع عنيفة، ومن ثم تنعدم العاطفة لديه تدريجيا، فنلاحظه لا يتعاطف ولا يلين قلبه بسهولة، مما يخلق تبلدا عاطفيا واضحا، فيؤثر في علاقاته الاجتماعية على المدى البعيد. في هذا السياق كانت الكاتبة والقاصة والأم زينب ناصر الأسدي في ضيافتنا لتجيب عن مجموعة من الأسئلة بشأن هذا الموضوع: كيف يمكن تنبيه الأمهات بشأن ظاهرة العنف المنتشرة بين الأطفال؟ في الواقع الهجمة التي يتعرض لها الطفل من جراء الدعاية المبطنة لترويج العنف التكنولوجي، تتعرض لها الأم، والأب، وكل الأسرة، ومن الممكن تفادي هذا الضرر عن طريق زيادة الوعي لدى الشريحة المتلقية، وترشيد المناهج والمؤسسات التربوية لتناول هذه المهمة بإسهاب وتفصيل، وبيان الطرق الناجعة لتعديل السلوك العنيف، وتوضيح أبعاده الواقعية والمجازية، فعلى سبيل المثال يشرح للطفل أن الموت أو الإصابة بجرح بليغ في الواقع الحقيقي يختلف كل الاختلاف عن الألعاب المجازية، وكذلك الحال في استخدام الأسلحة وما شابهها. ما مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو القتالية في الأطفال؟ يتفق علماء النفس والاجتماع على التأثير السلبي الذي تخلفه الألعاب العنيفة في سلوك الطفل، فتصيبه بالتشتت الذهني، وقلة التركيز من الناحية الجسدية، أما من الناحية النفسية، فسوف يرغب الطفل بالانعزال وعدم الرغبة في تكوين العلاقات الاجتماعية الناجحة، ومن ثم شيئا فشيئا عندما يكبر الطفل، فسنجد أنفسنا أمام شاب عليه أن يواجه حياة كاملة مليئة بالتحولات، لكنه يفتقر إلى الأهلية والمهارات التي يحتاجها في مسيرته نتيجة التشتت الذي عاشه في طفولته. ما السلوكيات الناتجة عن إدمان الألعاب القتالية؟ يختلف التأثير بحسب العمر، فكلما كان الطفل أصغر سنا، اختلطت عليه الأمور أكثر، أما لو كان في عمر أكبر، فيستطيع التمييز بين الواقع والمجاز، لكن قد تؤثر هذه الألعاب في اختياراته للسلم والعنف في الحياة الواقعية، فيصبح التصرف العنيف لديه أمرا مألوفا من الممكن أن يمارسه مع إخوته وأقاربه وزملائه، مما يؤثر في سلامة علاقاته الاجتماعية. كيف يمكن للأسرة التصدي لهذه المشكلة الخطيرة؟ وما سبل الوقاية، وطرق معالجة هذه الظاهرة؟ تواجه الأسرة التحدي الأكبر في تفادي هذا الأمر؛ لكون الطفل ما يزال تحت رعاية الأبوين، ولم يبلغ سن الرشد ليعتمد على نفسه؛ لذا يجب إصلاح هذا الخلل منذ الصغر وقبل مرحلة المراهقة والشباب. وهناك الكثير من الطرق المؤثرة في إبعاد الطفل عن الألعاب الإلكترونية العنيفة، وذلك عن طريق تنمية مهاراته وتشجيعه على ممارسة هواياته، وتوفير المستلزمات له، ويمكن أيضا إضافة بعض البرامج الرياضية والحركية، والذهاب إلى النزهات في أواخر الأسبوع، فالطفل بطبيعته يحب اللعب والابتكار أينما كان وتحت أي ظرف؛ لذا لابد من استغلال هذه الطاقة وإفراغها في الأمور التي ينتفع بها، أما لو لم تتوافر هذه الفرص، فمن الممكن ترشيد استخدام الألعاب، واختيار المفيد منها، كالألعاب الفكرية والتعليمية. يعد التنمر بين التلاميذ أحد السلوكيات العنيفة المنتشرة، فكيف يمكن للأم حماية طفلها من تعرضه للتنمر، أو تقويم سلوكه في حال كان متنمرا؟ ما يظهره الطفل من سلوك في المدرسة، انعكاس مباشر لبيئته وطريقة تربيته، ويؤدي طبع الإنسان دورا مهما أيضا، فالله (عز وجل) خلق عباده بأنماط مختلفة، فهناك من يشعر بثقة تامة وقوة وقدرة بدنية ونفسية، وهناك من يشعر بالضعف في صفاته النفسية وقدراته البدنية، فيصبح عرضة للتنمر، وهذا النوع من الأطفال يحتاج إلى ترشيد السلوك قبل دخوله المدرسة، فتعلمه الأم كيف يدافع عن نفسه ويظهر ثباتا في شخصيته بطرق مقبولة، كالنظر بصورة حازمة في عيني زميله المتنمر، أو إمساك يد المتنمر ومنعه من التعدي عليه، ويطلب تدخل المشرفين إذا ما تكرر الأمر، أما بالنسبة إلى الطفل المتنمر، فتشرح له الأم الجمال المتخفي في صفة الرحمة، والحب، والتعاون، ومساعدة الأضعف والأصغر سنا، فتقرأ له الآيات والروايات الشريفة التي تحث على هذه الصفات الحميدة، فضلا عن قراءة القصص التربوية التي تحمل في جوانبها الحكمة، ومع مرور الوقت سوف يمتلك الطفل المتنمر مهارة السيطرة على نفسه، وكبح جماح طبعه.