رياض الزهراء العدد 88 أبطال الطف
هَلْ مِنْ مُغِيث؟
“..هل مِن مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟..” استغاثة أطلقها سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي في يوم العاشر من المحرم عام 61 للهجرة في أرض كربلاء، أي في زمن محدّد، وفي بقعة جغرافيّة محددة من هذه الأرض. من ذلك الزمان إلى يومنا الحاضر فاصل زمني كبير جداً، ويُقدّر بألف وثلاثمائة وخمسة وسبعين عاماً انقضت بيننا وبين تلك الاستغاثة التي أطلقها ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهل يشير هذا الفاصل الزمنيّ الكبير إلى أنّنا قد حُرمنا من إجابة استغاثته والقيام بنصرته؟ وهل أنّ نداء “لبيك يا حسين” الذي يردّده كلّ محب وعاشق للحسين(عليه السلام)يُقصَدُ به أنّ هؤلاء لو كانوا في ذلك الموقف الرهيب يوم عاشوراء لكانوا حاضرين للنصرة؟ “لبيك يا حسين” لم يكن نداءً يحدّه الزمان والمكان، بل هو نداءٌ لكلّ زمان ومكان وإنسان، فعاشوراء فوق حدود الأمكنة والأزمنة، بل حتّى الدين والمذهب. إذ (كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء)، فعندما وقف الإمام الحسين(عليه السلام)(بأبي وأمي) يوم العاشر من المحرم وحيداً بين أعدائه يستغيث: “هل من ذاب يذبّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟”(1) لم يكن نداؤه لمَن استشهدوا بين يديه وبذلوا مُهجهم نصرةً له، وكيف يكون كذلك وهؤلاء قد نصروا ووفّوا بشهادة الإمام الحسين(عليه السلام)في حقّهم: “أمّا بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى، ولا خيراً من أصحابي..”(2) بل كان نداؤه لسواهم في ذلك الزمان وفي كلّ زمان. هنا نسأل: كيف تتحقّق نصرة سيّد الشهداء بعد مضيّ هذا الفارق الزمنيّ الكبير؟ في كلّ موقف من مواقف حياتنا إمّا أن نكون حسينيين، وإمّا أن نكون يزيديين، إذ إنّ خط الإمام الحسين(عليه السلام)يجسّد التوحيد، والحقّ المحض، والأرفع من القيم، بينما الخط اليزيديّ يمثّل الكفر، والباطل، والانحطاط، ففي كلّ موقف يواجه فيه أحدنا قراراً، يتردّد بين الحق والباطل، وبين النصرة والخذلان، وبين القلب الذي لا تأخذه في الله لومة لائم وبين القلب الضعيف الخائف المحب للدنيا، فإمّا أن نكون فيه من الملبّين لنداء الإمام الحسين(عليه السلام)والناصرين لخطه، وإمّا نكون فيه من الخاذلين المتخاذلين. بل إنّ جيش يزيد وعمر بن سعد لمّا يندثر، إذ لا يزال موجوداً يعيث في الأرض فساداً، وينتهك الحرمات، وفي أيّامنا الحاضرة من الشواهد ما يدفع شكّ القلوب. وتلبية الحسين تكون ببذل النفس، والزوج، والمال، والولد، والوقت، وكلّ ما خوّلنا الله؛ فداءً للإمام الحسين (عليه السلام)، وفي سبيل ما استُشهد لأجله، فتقدّم الأم ولدها كرملة، والأخت أخاها كزينب(عليها السلام)، والزوجة زوجها كالرّباب، والابنة أباها كسكينة، ويقدّم كلّ امرئ من موقعه ما استطاع سبيلا. ولا ننسَ في هذا المقام أولئك الملبّين الحقيقيين لنداء سيّد الشهداء يوم العاشر، السالكين درب الإمام الحسين (عليه السلام)، أولئك الذين يغتسلون ويتوضؤون بدمائهم، أولئك الذين يفترشون الأرض، ويحملون بنادقهم مردّدين شعار: “لبيك يا حسين” و”لبيك يا زينب”. في أيّ بقعة من بقاع هذه الأرض كانوا، لأولئك الباذلين المهج نصرةً للإمام الحسين (عليه السلام)، والموطّنين أنفسهم على لقاء الله(عز وجل)، سلام لا ينقضي ما بقي الليل والنهار. ................................. (1) بحار الأنوار ج45 ص46. (2) مستدرك سفينة البحار: ج6، ص183.