"مناقشة العلماء تنتج فوائدهم"

رُوي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "لقاح المعرفة دراسة العلم"(1). لقد دأب العلماء على مباحثة المسائل العلمية، ومدارستها، ومناقشتها، (والمدارسة) من باب (المفاعلة) بمعنى أنّ الفعل يكون بين اثنين أو أكثر على وجه الاشتراك، فـ(مدارسة العلم) تعني أنْ يتشارك اثنان في قراءة كتاب، ومناقشته، والتباحث فيه(2). وقد حثّ العلماء طلابهم على مباحثة الدروس مع أقرانهم، وهذا الأمر كان وما يزال متداولًا بين طلبة العلوم الدينية في الحوزات العلمية، إذ تُعقد حلقات مباحثة بين الطلبة لمناقشة الدرس السابق، واستذكار أهمّ النقاط الواردة فيه، ورفع الإبهام الموجود في عباراته، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "لن يحرز العلم إلّا مَن يطيل درسه"(3)، وقد كتب الإمام الصادق (عليه السلام) رسالة إلى أصحابه يحثّهم فيها على قراءة ما جاء في الرسالة ومدارستها، فعن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها، وتعاهدها والعمل بها، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها(4)، فلم يأمر الإمام (عليه السلام) أصحابه بالقراءة السطحية، بل حثّهم على التدبّر والتفكّر في المعاني، وتحليلها، ومناقشتها، والعمل بما جاء فيها. تكمن أهمّية المباحثة في النقاط الآتية: 1ـ ترسيخ المعلومة: فالمباحثة والمدارسة تسهمان في ترسيخ المعلومة من ناحية، ومن ناحية أخرى تساعدان على التوسّع العلمي، فالمباحثة تفتح آفاقًا جديدةً أمام المتعلّم، إذ يتعرّف على أفكار وآراء مختلفة، ممّا يساعده على اكتساب معلومات جديدة تعمّق فهمه للموضوع، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مَن أكثر مدارسة العلم، لم ينسَ ما علم، واستفاد ما لم يعلم"(5). 2ـ الإثراء العقلي: فمناقشة العلماء تساعد في مشاركة عقولهم ونتاجهم العلمي، وتسهم في تلاقح الأفكار، وتطوير الذات، وتعزيز الثقة بالنفس، وتقوّي لدى المتباحثين مهارات التدريس، والنقد، والتحليل، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مناقشة العلماء تنتج فوائدهم، وتكسب فضائلهم"(6)، ثم إنّ المباحثة والمدارسة ليست حكرًا على المشتغلين بتحصيل العلوم الدينية، بل هي مفيدة لجميع الأفراد، فجميل أن تفعّل المدارسة في كلّ منزل وأسرة، بحيث يتدارس أفرادها كتب السيرة النبوية وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)؛ لتعزيز هذه الثقافة التي أوصى بها المعصومون (عليهم السلام) أصحابهم وشيعتهم. ................................ (1) ميزان الحكمة: ج2، ص862. (2) https://www.islamweb.net/ar/article/141397. (3) المصدر السابق: ج2، ص862. (4) الكافي: ج8، ص2. (5) موسوعة أحاديث أهل البيت (عليه السلام): ج3، ص419. (6) موسوعة العقائد الإسلامية: ج2، ص455.