رياض الزهراء العدد 217 هندسة الحياة
ومن الألقاب مَا قتل
(اللقب)، تلك الكلمة أو مجموعة من الكلمات التي تُضاف إلى اسم الشخص، وأحيانًا يطغى ويقوم تدريجيًا بإزاحة الاسم الحقيقي من الوجود، ويُتداول وحده، وما يرادفه من صفات تابعة له. يُستخدم اللقب للتعبير عن الاحترام والتمييز، وإظهار المكانة الاجتماعية لحامله، ويكون مصدرًا للفخر والسعادة عند مناداة الشخص به، وفي المقابل قد يكون سببًا لجلب الحزن والتعاسة والألم النفسي نتيجةً لإلصاق صفة غير محبّبة تنتقص من مكانة الفرد الاجتماعية، وتشوّه صورته، فتزرع فيه الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس، ويقوم المحيط بتغذية ذلك الشعور عن طريق الإصرار على مناداته به، وربطه به طوال حياته مع الاستهانة بالآثار المدمّرة لذلك الفعل من قتل رمزي للشخصية، وسحق للكرامة الإنسانية. في جولة بسيطة في أرجاء البيوت، والمدارس، وأماكن العمل، نجد أنّها معبّأة وتكاد تفيض بالألقاب السلبية التي تجعل الفرد يعيش حالة من التوتّر والحرج من نظرات الآخرين، والصورة التي تُرسم في الأذهان نتيجة تداول ذلك اللقب، وانطلاقًا من العائلة الصغيرة التي تبدأ بإلغاء اسم الطفل واختيار صفة مستوحاة من جسده كأن يُطلق عليه (البدين) أو (القصير)، والكثير من الألقاب التي تبدأ بـ(أبو...)؛ لأنّها من البديهيات في المجتمع والتي تتعالى معها أصوات الضحكات أينما ذُكرت، في حين يُعتصر قلب المُنادى ألمًا في كلّ مرّة يُطلق عليه سهم اللقب المُهين الذي يُلغي هويته وشخصيته، ويجعلها في خبر (كان)، بل والأدهى من ذلك أن يرافقه في كلّ مراحل حياته مهما بلغ من النجاحات في ميادين الحياة المختلفة. تلك الألقاب السلبية تندرج تحت عنوان (الوصم الاجتماعي) الذي يرمي بظلاله على شخصية الإنسان في المجتمع، فيقيّد حركته، ويمنعه من التطوّر والإبداع، بل إنّه يجبره على الانعزال والابتعاد عن الآخرين خوفًا من ذكر ذلك الوصف المسيء، وممّا يحزّ في النفس أنّ تلك الألقاب باتت من الأمور المنتشرة بشكل كبير جدًا في المجتمع بالتزامن مع الاستهانة بالآثار المستقبلية لها، وفي الوقت ذاته تناسى بعضهم قول الله تعالى: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ (الحجرات:11)، و(التنابز بالألقاب) يعني دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة. فلنسعَ جميعًا إلى بناء مجتمع صالح سليم، ونبدأ بتغيير القليل من العادات السلبية السائدة، من ضمنها إطلاق الألقاب السلبية، واستبدالها بما هو جميل ومحفّز كي لا نشارك بجريمة القتل المعنوي للجيل القادم، ولنتذكّر: (ومن الألقاب ما قتل).