"النعم تدوم بالشكر"(1)
قررت أن أكون أما سعيدة، فجمعت طفلتي ووضعت ابني الصغير قريبا مني، وشاركتهما اللعب كأننا أخوات، فسعدا بمشاركتي. كنت عند لعبي معهما أعلمهما المفاهيم الإسلامية، فعلمتهما نشيدا كنت قد تعلمته في صغري: هذي أصول ديني يا ناس فاسمعوني أولها التوحيد وعنه لا أحيد والعدل ثاني أصل يفوق كل عدل والثالث النبوة رمز الهدى والقوة والرابع الإمامة للمتقي علامة والخامس المعاد إذ يحشر العباد ففكرت في نفسي: أطفالي صغار، ولا أستطيع إعطاء وقتي كاملا لهم، فمع تنظيم البيت، وتجهيز الطعام، والاعتناء بالطفل الجديد، يصيبني التعب والإجهاد، فعندما أنجبت ابنتي الكبرى، كنت أكتفي بالقليل من العمل، وكانت الراحة تسعدنا، إذ حظينا أنا وزوجي بأوقات الفراغ، فكنا نذهب فيها إلى التنزه، أو نزور البلدان التي تحوي المشاهد المقدسة، فمرة نزور الإمام الرضا (عليه السلام)، ومرة نذهب إلى بيت الله الحرام من أجل أداء العمرة، ومرة نقصد مرقد عقيلة الهاشميين زينب الكبرى (عليها السلام). لاحظ زوجي انشغالي وتعبي في الآونة الأخيرة، فكنت سابقا أشارك في إحياء الشعائر الدينية، فأذهب إلى المجالس المقامة بمناسبة مواليد أهل البيت (عليهم السلام) أو بمناسبة استشهادهم، وأصل الأهل بالهدايا والزيارات، وأعتني بمزروعات البيت من الشجر والزهور، إضافة إلى إعداد الأطباق اللذيذة للعائلة وللأصدقاء، لكن منذ ولادة ابني (محمد) أصبحت منكفئة على نفسي، كثيرة الانزعاج والتبرم، وعلى الرغم من مساعدة زوجي لي في أعمال البيت وتربية البنات، إلا أنه ينشد الكمال في كل شيء، وأنا قد تركت الاهتمام بالكمال منذ مجيء صغيري، إذ كان مجيئه حلما بالنسبة إلي، وطموحا كنت أتمناه من بداية زواجنا، لكن قدر الله وما شاء فعل. وفي يوم من الأيام وبينما كنت مشغولة باللعب مع طفلتي، زارتني إحدى جاراتنا، وكانت ترى الصغيرتين سعيدتين تلعبان وتمرحان، وأصوات فرحهما تملأ البيت ابتهاجا ورغدا، فاتجهت نحوي وقالت: يا أم محمد، لا تنزعجي مني ولا تحزني، فأني سمعت أن زوجك يريد تطليقك والزواج بامرأة أخرى، وفي الحقيقة اسودت الدنيا في عيني، وكل بارقة للنور قد انطفأت في قلبي. ابتسمت مجاملة لها، وهدأت نفسي بثقة نزلت علي من السماء، وقلت لها: أنا لست حزينة لسماعي هذه الأخبار التي تخرب البيوت منك، وأود أن أطمئنك، وهذا الاطمئنان نابع من تجربتي الشخصية، إذ رزقني الله تعالى ما رزق والدتي من شكر النعم، وشخصية زوجي قريبة من شخصية والدي، فمهما يحدث من خلافات بيننا، فزوجي لن يقدم على هذا الأمر، وسفينة الحياة تستمر بالمسير، فيا جارتي مثلما نجحت والدتي في الحفاظ على بيتها، وأنجبت بعدي المزيد من البنين والبنات حتى امتلأ البيت بالحبور والأفراح، فكذلك أنجح أنا بالحفاظ على بيتي. فقالت جارتي بخجل: آمل مثلما تأملين في أن يحفظ الله بيتك، وأن تتمتعي بالسعادة مع زوجك وأطفالك. في المساء عاد زوجي إلى البيت، فأخبرته بما دار بيني وبين جارتي، فاستحسن ثقتي بنفسي وحسن توكلي على الله تعالى، وأنهينا يومنا السعيد بكوبين من الشاي، والكثير من حبات السكر. ................. مستدرك الوسائل: ج12، ص370.