بين إحراق الدار وحرقة القلب

إيمان صاحب الخالديّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 501

بعد إضرام النار في باب الزهراء (عليها السلام) وحرق الخيام في كربلاء، عمد الظالمون إلى إحراق دار الإمام الصادق (عليه السلام) في وضح النهار في المدينة المنورة، وروى (عليه السلام) ما جرى عليه لبعض أصحابه وشيعته ممن جاؤوا لمواساته، فكانت دموعه تنهمر على خديه، ولما سألوه عن سبب حزنه وبكائه: أمن جرأة القوم عليكم أهل البيت، وليس منهم بأول مرة، قال (عليه السلام): "اعلموا أنه لما أخذت النار ما في الدهليز، نظرت إلى نسائي وبناتي يتراكضن في الدار من حجرة إلى حجرة، ومن مكان إلى مكان، هذا وأنا معهن فتذكرت روعة عيال جدي الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء لما هجم القوم عليهن، والمنادي ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين"(1)، ساد الصمت ممزوجا بالدهشة: إيه يا بن رسول الله! ما أشد مصابك في تلك الساعة التي لا يكاد يعرف نهارها من الليل، فالدخان يغطي المكان، والأنفاس المخنوقة تستغيث، والطفلة الصغيرة تحتضن الكبيرة، والمرأة الكبيرة لا تدري ما تفعل، وأخرى تراقب خطواتك المسرعة نحو النار لتطفئها بنعلك الشريف، بينما تتحرك شفتاك ببعض الكلمات المطمئنات: "أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله"(2)، حتى خمدت النار مثلما خمدت نار (النمرود)، فما أشبه اليوم بالأمس، إذ نجى الله تعالى نبيه إبراهيم (عليه السلام)، ولم تحرق النار ثوبه وبدنه، فكذلك الوصي، إلا أنها لم تكن بردا وسلاما على قلب الوصي (عليه السلام)، بل كانت ألما وأحزانا. مرت الأيام سريعا بحرقة القلب تلك التي لم تبرد حرارتها أبدا مع مرور الأيام، بل كانت تزداد بين الحين والآخر بسبب الطغيان، فتارة تضييق وتهديد، وأخرى شهادة زيد بن علي (رضوان الله عليه)، العلوي الثائر على طغيان بني أمية، ثم تهديد الإمام (عليه السلام) بالقتل من قبل الطاغية أبي جعفر المنصور: (والله لأزهقن نفسك)(3)، وآخرها دس السم إليه، وفي اللحظات الأخيرة من حياته الشريفة أوصى إلى أهل بيته الكرام، ثم نظر إلى ولده الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وهو على تلك الحال، ففاضت روحه الزاكية إلى بارئها، فالسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث مقاما محمودا. ..................... (1) أعلام الهداية: ج1، ص204. (2) شرح أصول الكافي: ج7، ص246. (3) مقاتل الطالبيين: ص184.