رياض الزهراء العدد 217 بريد القراء
غيث الرحمة
قال الله تعالى: ﴿وأوحينا إلىٰ أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين (القصص:7)، عند تأمل الآية المباركة نجدها تعطينا انطباعا عن عظيم رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين، فمن أين يأتي عدم الخوف لامرأة تحمل بين يديها رضيعها الصغير، مع علمها المؤكد أن فرعون الظالم يقتل كل مولود ذكر، ثم يأتيها الوحي يأمرها بإلقاء هذا الصغير في النهر، فأي قلب يطيق ذلك؟ لكنها فعلت؛ لأنها واثقة بالله تعالى وبوعده، وهنا يكمن درس عظيم، وهو أن الله سبحانه وتعالى لم يجعلها تواجه الظالمين بمفردها، فما إن التزمت بأمره سبحانه وأطاعته، حتى ربط على قلبها بعطفه وأمانه، وقد جاء في قوله تعالى: ﴿لولا أن ربطنا علىٰ قلبها لتكون من المؤمنين((القصص:10)، هنا تتجلى الرحمة الإلهية في أبهى صورها، فهذه الآية الكريمة تحمل في طياتها معنى خاصا، فهو رباط من الله تعالى يمنح القوة والثبات، ويجعل القلب يواجه المحن بثقة، فالله سبحانه لم يترك هذه الأم العطوف في لحظة ضعفها، بل ثبت قلبها وسدد خطاها، والعبرة من هذه الآية المباركة أنها ليست مجرد وصف لحالة أم نبي الله موسى (عليه السلام)، بل تشير إلى رعاية كل من يتوكل على الله تعالى في جميع حالاته، بخاصة في لحظات الضعف، فإذا شعرت يوما أن قلبك يميل للانهيار تحت وطأة المحن، فتذكري أن الله سبحانه هو القادر على أن يربط على قلبك مثلما ربط على قلب أم نبي الله موسى (عليه السلام)، وهو الكريم الجواد، فكرمه سبحانه لم يتوقف عند تثبيت قلبها وتسديد خطاها، بل المدهش أن هذا الصغير الضعيف ينقذه الله تعالى، ويلتقطه آل فرعون، وهنا تظهر الحكمة الإلهية، فالبيت الذي كان من المفترض أن يكون مصدرا للهلاك، يصبح مصدرا للنجاة، إذ يقول تعالى: ﴿وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسىٰ أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون﴾ (القصص:9)، وهكذا يكبر نبي الله تعالى في كنف عدوه برعاية ربانية، ثم يعود إلى أمه مثلما وعدها سبحانه، إذن نستنتج من أن التوجيه الإلهي: ﴿ولا تخافي ولا تحزني((القصص:7) يبين لنا أن الله سبحانه يتولى أمر من يتوكل عليه، ويطمئن القلوب وسط الأزمات، وتكون المكافأة بعظيم كرمه سبحانه ليس حماية العبد فقط، بل بالتكريم الرباني: )إنا رآدوه إليك وجاعلوه من ٱلمرسلين((القصص:7)، وهذا وعد إلهي أكيد يجمع بين الرحمة والإعداد الإلهي العظيم، مما يمنح الأمل وسط المحنة، فنتعلم من أم نبي الله موسى (عليه السلام) معنى التسليم الحقيقي لنجعل قلوبنا مع الله تعالى، فهو كنفنا الآمن، وملاذنا في كل الأوقات ليهطل علينا غيث رحمته ووافر بركاته.