دَورُ الإِمَامِ السَّجَادِ (عليه السلام) فِي الأُمَّة
عاش الإمام السجاد(عليه السلام)بداية قمّة الانحراف الذي بدأ عقب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ففي زمنه(عليه السلام)بدأ الانحراف يأخذ شكلاً صريحاً من قِبل الحكّام في العمل والتنفيذ، فقد انكشف واقع الحكّام أمام المسلمين بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)نظريّاً وعمليّاً وقد عاصر الإمام السجاد(عليه السلام)كلّ المحن والبلايا التي وقعت أيّام جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث وُلد قبل استشهاد الإمام علي(عليه السلام)بثلاث سنوات، ومن ثمّ عاش مع الإمام الحسن(عليه السلام)في محنته، ومع أبيه الإمام الحسين(عليه السلام)وهو في محنته الفاجعة، حينما رأى جيوش بني أميّة تدخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)في المدينة، هذا المسجد الذي كان منطلقاً للرسالة إلى العالم كلّه، فهذه الحقبة التي عاشها الإمام السجاد(عليه السلام)هي من أقسى الحقب، وكان(عليه السلام)ممتحناً أكثر من سائر الأئمة (عليهم السلام)، فهذا الجو المضطرب المشحون بالثورات دفع بني أميّة إلى إحكام الرقابة الشديدة على تحرّكات الإمام(عليه السلام)فكان على الإمام (عليه السلام)، أن يجد طريقاً وأسلوباً يواجه به مثل هذه الظروف القاسية؛ ولهذا السبب استعمل الإمام(عليه السلام)أسلوب الأدعية، وأكثر منها، وقد جاءت أدعيته تعبيراً عن أحداث عصره، مليئة بمعاني الدعوة وبناء الأمّة، ومن خلال هذا الدعاء يُبيّن لنا الواقع بتحليل رائع ودقيق، قائلاً: “فنظرت يا إلهي إلى ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن الانتصار ممّن قصدني بمحاربته، ووحدتي في كثير عدد مَن ناوأني..”(1)، فيحدّد الإمام(عليه السلام)موقفه الواعي من أعدائه، والانتصار مرهون ببناء الأنصار والكتلة الواعية، وأنّ شرط الانتصار أن تتحوّل هذه الأعداد العاطفيّة إلى أعداد واعية، وكان يؤمن أن تسلّم السلطة وحده لا يكفي ما لم تكن هذه السلطة مدعمة بقواعد شعبيّة واعية، فكان(عليه السلام)يعدّ المؤسس الثاني للمدرسة الإسلاميّة، وكان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)مدرسة يكثر فيها الطلاب، وأصبح تلامذته بناة للحضارة الإسلاميّة، فقام بدور مهم في تزويد العلماء بأحاديث في مختلف العلوم والفنون، ورووا عنه الصحيفة السجّادية التي هي إنجيل آل محمّد (صلى الله عليه وآله)؛ وذلك لما حوته من الثروات الفكريّة بوضع قواعد الأخلاق، وأصول الفضائل، وعلوم التوحيد، وغيرها. ومن إنجازات الإمام(عليه السلام)رسالة الحقوق، وهو يشير إلى أنّ هناك حقوقاً محيطة بالإنسان لابدّ من معرفتها، ويبيّن أن أكبرها ما يرتبط بالله (سبحانه وتعالى)، ثم يفرّع عليها حقوق الإنسان المفروضة من الله(عز وجل) تجاه الإنسان، ورواها كبار العلماء أمثال ثقة الإسلام الكليني، والشيخ الصدوق وغيرهما. كان الوليد بن عبد الملك من أحقد الناس على الإمام زين العابدين (عليه السلام)؛ لأنه كان يرى أنه لا يتم له الملك والسلطان بوجود الإمام (عليه السلام)، ورُوي عنه أنه قال: (لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا)، فأصبح رأيه على اغتيال الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فبعث سمّاً قاتلاً إلى عامله في يثرب، وأمره بدسّه للإمام (عليه السلام)، فنفّذ عامله ذلك، فسمت روح الإمام(عليه السلام)العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت هذه الدنيا بعلومها، وعبادتها، وجهادها، وتجرّدها عن الهوى، فسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حياً. ................................. (1) الأمالي للطوسي: ص15. من كتاب/ الأئمة الاثني عشر للمؤلف عادل الأديب: ص144.