الكافر وأعمال الخير

رجاء علي البوهاني/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 87

إن من يتتبع الآيات القرآنية التي تتحدث عن العمل الصالح وجزائه، يرى جليا أن العمل الصالح لا يفترق عن المعتقد الصحيح فيها، كقوله تعالى: )وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواجٌ مطهرةٌ وهم فيها خالدون( (البقرة:25)، وهذه إحدى الآيات الكثيرة التي تحدثت بهذا الشأن، والتي تبين أن دخول الجنة مرهون بشرطين، ألا وهما: الإيمان، والعمل الصالح، والعمل الصالح في الثقافة القرآنية يعني ذلك العمل الذي يكون مطابقا لأحد منابع الدين، إلا أننا نجد على مر التأريخ وإلى يومنا هذا أن هناك الكثير من الأشخاص الذين تركوا بصمة في تاريخ الإنسانية عبر اكتشافاتهم واختراعاتهم العلمية التي أبعدت شبح الأمراض من جهة، وجعلت الحياة أكثر سهولة ويسرا من جهة أخرى بدون أن يكون صدور هذه الأفعال منهم عن عقيدة وإيمان ونية لنيل الثواب، فما مصير هذه الأعمال يوم القيامة؟ هل سيحصلون على ثواب وجزاء عليها؟ قد يكون الجواب أنهم لا يحصلون في مقابلها على أجر، ولا يمكنهم دخول الجنة فيما إذا غادروا الدنيا وهم لا يحملون اعتقادا صحيحا عن المبدأ وعن المعاد. وأما علة عدم حصولهم على الثواب ودخول الجنة، فهو لأن لكل عمل وفعل وجهين وصورتين: أحدهما الفعل نفسه وذاته بغض النظر عن فاعله، كمساعدة الفقراء وبناء مسجد، والوجه الثاني نية الفاعل ودافعه، والفعل يكتسب حسنه وقيمته من هذين المعيارين، الأول هو الحسن الفعلي، فكل عمل خيرٍ هو فعلٌ حسن، والمعيار الثاني هو الحسن الفاعلي، ويقصد به نية الفاعل ومحركه نحو فعل الخير، فعبارة (الذين آمنوا) تحكي الحسن الفاعلي، و(عملوا الصالحات) ناظرة إلى الحسن الفعلي، والبشارة بالجنة تخص أولئك الذين يمتازون بالعمل الصالح الصادر عن اعتقادهم بالمبدأ والمعاد، وسائر الأصول الأخرى، فمن يمتلك حسنا فعليا في أفعاله وهو يفتقر إلى الحسن الفاعلي، أي الإيمان والنية الخالصة، فهو لن ينتفع بهذا العمل الصالح حتى في حال كان محركه هو حب النوع الإنساني، والسر في ذلك أن القيمة الحقيقية للأفعال الاختيارية للإنسان مرتبطة بمدى تأثيرها في الوصول إلى الكمال الحقيقي، أي القرب من الله تعالى، فإن تأثير هذه الأفعال الحسنة في السعادة الأبدية لفاعلها متوقف على تأثيرها في تكامل روحه، إذ إن ارتباط الأفعال الخارجية بروح فاعلها إنما يتحقق عن طريق الإرادة، وقيمة الفعل الإرادي خاضعة لنية الفاعل وباعثه، ولا تأثير للحسن الفعلي بدون الحسن الفاعلي في تكامل الروح والوصول إلى السعادة الأبدية، بل سيبقى عمل الخير في مستوى عالم الدنيا ولن يصل إلى العالم الآخر.