إعجاز سورة (الواقعة) في الأسلوب والمعنى

عبير عبّاس المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 61

سورة (الواقعة) المباركة من السور المكية التي تتميز بأسلوبها الفريد وصورها البلاغية المؤثرة، إذ تعكس مشاهد القيامة وأحوال الناس فيها بأسلوب قوي ومؤثر، فتتناول السورة قضايا العقيدة والإيمان بالبعث والحساب، وتتميز بجماليات أسلوبية وبلاغية تجعلها ذات تأثير عميق في القارئ والسامع، ومن جمالياتها من حيث الأسلوب، التصوير البلاغي، والإيقاع الصوتي. فمن نماذج الجمال الأسلوبي في السورة: 1. التكرار والتقسيم: تعتمد السورة على تقسيم الناس يوم القيامة إلى (3) فئات رئيسة، هي: أـ السابقون: هم الذين بلغوا أعلى درجات الإيمان والعمل الصالح. ب ـ أصحاب اليمين: هم أهل الجنة الذين نالوا رضا الله تعالى بأعمالهم. ج ـ أصحاب الشمال: هم الكافرون الذين كذبوا بالحشر والنشر، واستحقوا العذاب. هذا التقسيم يرسخ المفاهيم في ذهن القارئ، ويعزز الإحساس بالعدل الإلهي، مثلما أن تكرار بعض الآيات كقوله تعالى: )فأصۡحٰب ٱلۡميۡمنة مآ أصۡحٰب ٱلۡميۡمنة( (الواقعة:8)، وقوله تعالى: )وأصۡحٰب ٱلشمال مآ أصۡحٰب ٱلشمال( (الواقعة:41) يلفت الانتباه، ويزيد التأكيد على مصير كل فئة. 2. الأسلوب الخطابي والاستفهامي: يبرز في السورة أسلوب الاستفهام التقريري، كقوله تعالى: )أفرأيتم ما تمنون( (الواقعة:58) و)أفرأيتم ما تحرثون( (الواقعة:63)؛ لجذب انتباه القارئ، ودفعه إلى التفكر في قدرة الله سبحانه وإبداعه في الخلق، وهذا الأسلوب يجعل القارئ مشاركا في التفكير والتأمل. ثانيا: التصوير البلاغي في السورة: 1ـ المشاهد الحسية ليوم القيامة: تعتمد السورة تصويرا دراميا قويا لمشاهد يوم القيامة، كقوله تعالى: )إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبةٌ خافضةٌ رافعةٌ( (الواقعة:1،2،3)، فهذه الآيات تخلق صورة مؤثرة للحظة القيامة التي لا مجال لإنكارها، إذ تنقلب الموازين، فيرفع المؤمنون، ويذل الكافرون. 2. التصوير البياني والاستعارات: الاستعارة البديعية في قوله تعالى: )نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين( (الواقعة:73)، إذ صورت النار على أنها تذكرة وموعظة، إضافة إلى كونها نعمة يستخدمها البشر، وكذلك التشبيه الرائع في قوله تعالى: )كأمۡثٰل ٱللؤۡلوٕ ٱلۡمكۡنون( (الواقعة:32)، إذ شبه الحور العين باللؤلؤ المكنون، مما يعكس جمالهن ونقاءهن. ثالثا: الإيقاع الصوتي والتناسق الجرسي: 1ـ استخدام الفواصل القرآنية المتناسقة: تتميز السورة بفواصل قصيرة متناسقة، كقوله تعالى: )فكانتۡ هبآءٗ منۢبثا((الواقعة:6) و)فنزلٌ منۡ حميمٖ( (الواقعة:93)، فهذا التناسق يمنح السورة إيقاعا صوتيا يجعلها أكثر تأثيرا عند التلاوة، ويعزز من حضورها في الذهن. 2ـ تكرار الحروف والأصوات: كثرة ورود حرف (العين) في الآيات الأولى يعكس مشهد الاضطراب والرهبة، وكذلك استخدام حروف المد كقوله تعالى: )فكانتۡ هبآءٗ منۢبثا( (الواقعة:6) يعكس امتداد فتات الجبال لتذروه الرياح. وبلحاظ ما تقدم، فإن سورة (الواقعة) من أعظم السور التي تتناول قضية الإيمان بالبعث بأسلوب مؤثر يجمع بين البلاغة، والبيان، والتناسق الصوتي، إضافة إلى الصور الحسية، والاستفهامات الخطابية، والإيقاع الجرسي للسورة يجعلها تترك أثرا عميقا في النفس، وتدعو إلى التأمل في قدرة الله تعالى وعدله يوم القيامة، وتقود قارئها إلى التفكر والتأمل، وقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "من اشتاق إلى الجنة وإلى صفتها فليقرأ الواقعة"(1)، وذلك لأن آيات هذه السورة تتصف بالتحريك والإيقاظ بصورة لا تسمح للإنسان أن يبقى في جو الغفلة.(2) ......................... (1) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ص117. (2) تفسير الأمثل: ج17، ص442.