رياض الزهراء العدد 218 زاد الآخرة
(رب لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصدق)
تتفاوت الأماني في النفس البشرية بين صغيرة وكبيرة، قريبة المنال وبعيدته، دنيوية وآخروية، وهلم جرا، ومن بين تلك الأماني التي خلدها القرآن الكريم، ووضعها الله (عز وجل) بين يدي عباده ليسارعوا إلى تحقيقها قبل يوم الحسرة والندامة حيث لا رجوع هي (الصدقة). لقد ورد فضل الصدقة في العديد من الروايات الشريفة، ولكثرة ما نسمعه وقعنا في فخ التعود وفقدان قيمة الأشياء. يذكر القرآن الكريم صورة عجيبة ومؤلمة للنفوس: كيف يتمنى المرء بعد وفاته أن لو قام فقط بعمل واحد قبل موته لما يراه من مردود أخروي لامتناهي، والتجارة التي لا تبور، ألا وهو الإنفاق في سبيل الله والتصدق، فهذه أمنيته العظيمة، ومن الذكاء والفطنة أن يرى المؤمن هذه الصورة بقلبه وعقله، ويسعى إلى تحقيقها قبل فوات الأوان، فقد قال تعالى: )وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصدق وأكن من الصالحين( (المنافقون:10)، إذ إن الصدقة من أهم الطرق المؤدية إلى مرضاة الله تعالى، فقد ورد في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): "وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه، فاغتنمه وحمله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده، واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك"(1)، مثلما يرشدنا إلى طريق أقرب وأفضل، ألا وهو (القرض)، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "مكتوب على باب الجنة: الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر، وإنما صار القرض أفضل من الصدقة لأن المستقرض لا يستقرض إلا من حاجة، وقد يطلب الصدقة من لا يحتاج إليها"(2)، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "ومن أقرض ملهوفا فأحسن طلبته، استأنف العمل، وأعطاه الله بكل درهم ألف قنطار من الجنة"(3)، ولابد من الالتفات إلى ضرورة مراعاة المقرض وإرجاع حقه إليه بعد انقضاء مرحلة العسرة؛ ليدوم المعروف جاريا بين المؤمنين، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "كما لا يحل لغريمك أن يمطلك وهو موسر، فكذلك لا يحل لك أن تعسره إذا علمت أنه معسر"(4). ............................ (1) نهج البلاغة: ج3، ص46. (2) ميزان الحكمة: ج3، ص2549. (3) بحار الأنوار: ج 73، ص368. (4) المصدر السابق: ج3، ص2550.