الأسرة والتربية

زينب عبد الله العارضي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 4

البذرة الأولى في حقل رحلة العمر، الغرس الصغير الذي يحمل في أعماقه النقاء والطهر، الوجه الذي يتلألأ في ابتسامته جمال الفجر، وينعكس في عينيه بريق البراءة والخير، إنه الطفل، المنحة العظيمة التي أبدعها الله (عز وجل)، وقد كلف الأمهات بحمل الطفل في أحشائهن، وتربيته بعد ذلك في حجورهن، وحمل همه حتى نهاية العمر، فكيف نربي أولادنا؟ وماذا نعلمهم ونغرس فيهم؟ هذا ما سنبينه في هذه السلسلة التي تحمل عنوان: (معا نربي). لا يخفى على أحد أن الطفل هو النبتة الصغيرة التي تنمو وتترعرع في حديقة الأسرة الكبيرة، وبالإمكان جعلها شجرة وارفة الظلال، غزيرة الثمار متى ما أحسن المربي رعايتها، وبذل الجهد في حمايتها، مع حسن التوكل على واهبها، وصدق اللجوء إليه في جميع مراحل نموها، وهذا ما نسميه بالتربية التي لا تنحصر في التعليم والغرس، بل تتسع لتشمل كل ما له علاقة بصياغة شخصية الطفل، وإعداده للحياة عبر بناء النفس، فهذه الأوراق البيضاء القابلة لأي نقش، ما هي إلا أمانة الله تعالى التي استأمن الآباء والأمهات عليها؛ ليكتبوا في صفحاتها كل جميل ينفع الطفل في دينه ودنياه وآخرته. فالتربية باختصار هي رسالة تكتب بحبر الحب والصبر، نتجاوز فيها الحاضر، ونتطلع بكل أمل إلى المستقبل الزاهر، نأخذ خلالها بيد صغيرنا خطوة، خطوة؛ لنجعله مؤهلا للتألق والريادة، نعلمه كيف يواجه عواصف الحياة بنفس مطمئنة، تتطلع لرضا الله تعالى، ونيل الفوز، والحظوة بالزلفى والسعادة. وعليه، فالتربية ليست رحلة عشوائية متروكة للرغبات والعادات، بل هي علم وفن، له أصوله وقواعده التي يقوم عليها، وحري بكل مربٍ أن يطلع عليها، ويتأمل فيها؛ ليتمكن من صياغة شخصية طفله بالنحو السليم، ويعطي كلا من جسده وروحه ما يستحقه من الجمال والكمال، وينمي مواهبه وطاقاته، ويكتشف كنوزه التي أودعها الله تعالى في تكوينه؛ ليجعل منه عبدا صالحا، وخليفة له في أرضه، فقد ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنه قال: "وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤولٌ عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثابٌ على ذلك ومعاقبٌ، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه، ولا قوة إلا بالله"(1). ....................... (1) شرح رسالة الحقوق: ص581.