معالم الولاية
تدلت من الدوحة المحمدية تفاحة فاطمية، تنشر مسك الجنان، أريجها فواح بعطر الولاية وما يتفرع منها من مظاهر، جسدت الحب والطاعة لإمامها والفناء فيه ولأجله؛ لأجل الدين، فأعلى الله تعالى ذكرها وشأنها، وألف قلوب السالكين إليه على حبها، جعل الله تعالى في مثواها السلوة للمحبين بعد خفاء قبر سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام). السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) المشهورة بـ(فاطمة المعصومة) مثلما ورد عن أخيها الإمام الرضا (عليه السلام)، نحاول أن نتحدث عن كمالها وعلو مقامها، وعن سخاء كفها ومدى رأفتها بالموالين، فعندما نبحث عن مظاهر الولاء المتمثلة بالمودة، والسمع والطاعة للمعصوم في سيرة السيدة الجليلة، تحضر أمامنا صورة الانصياع الجلي لإمام زمانها الإمام الرضا (عليه السلام) حين أرسل لها مكتوبا بعد عام من مرارة الفراق، ينطوي على الإذن بالرحيل إليه، فما كان منها غير الذوبان في فكرة الاقتراب من المعصوم أكثر؛ لتحزم أمرها وتتجه نحو (خراسان) قاصدة (مرو)، إذ تتربع شمس الولاية ناشرة هديها النبوي، وهي (عليها السلام) غير مكترثة لما قد يصدر من جلاوزة بني العباس ـ عليهم لعائن الله ـ كاشفة بذلك عن أعلى درجات التسليم للمعصوم والانصهار في طاعته، ولا يعد هذا الموقف حدثا عابرا، بل هو درس ينقل إلى الأجيال صدق الولاء والانتماء. لقد جعل الله تعالى مثواها الطاهر منارة شاهدة على علو شأنها وجليل خطرها، وكانت البشارات تترى من لدن المعصومين (عليهم السلام) على اختصاص الأرض الطيبة التي حوتها حتى قبل حلولها فيها؛ لتكون عشا لآل محمد (صلوات الله عليهم) وحرما لهم، ومخصوصة بثلاثة أبواب من الجنة، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إن لله حرما وهو مكة، ألا إن لرسول الله حرما وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي، اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم"(1). لم تكن النعمة موقوفة على ما أفاضته السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) على الأرض من الأفضال، بل أعزها الله وأعلى شأنها لتكون بلسما لقلوب الباحثين عن القبر المخفي لابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) جدتها فاطمة الزهراء النوراء (عليها السلام)، فقد نقل السيد عادل العلوي (طيب الله ثراه) قائلا: حدثني سيدنا الأستاذ عن والده آية الله السيد محمود المرعشي أنه كان يبحث عن قبر سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، (فرأى في المنام مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) فقال له: "عليك بكريمة أهل البيت"، فقال السيد: توهمت أنه يريد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقال (عليه السلام) دفعا للتوهم: "فاطمة بنت موسى بن جعفر المدفونة في قم"(2). وقد اندلقت من بين يديها الكرامات تلو الكرامات والتاريخ يشهد على ذلك مطأطئا رأسه لمسارب النور من آل محمد (صلوات الله عليهم)، من رعاية الزائرين، وتكفل خدمة أهل البيت (عليهم السلام)، وإنجاح مطالبهم، والإفاضة على طالبي العلوم الدينية تحت ظلها الوارف، والإفضال على عموم محبي أهل البيت (عليهم السلام) ومواليهم، وحيال ذلك كله تشرئب الأعناق وتتطلع الأفئدة لنظرة كريمة من سيدة كريمة. هكذا ترفع الولاية أولياء الله الذين أيقنوا أن وجودهم لا قيمة له إلا إذا كان متصلا بالمعصوم، فتعلو بهم الدرجات حتى ينالوا المقامات العالية، وتصير أيديهم مفتاحا لتجلي الخيرات والبركات الإلهية. وها نحن نتحلق حول مائدتها الإلهية، نستسقيها شربة كرامة، ونتوسل إليها، نرجو منها نظرة عطف خاصة، ونرجو أن تدخلنا تحت كسائها ليزول ما بنا من ضعف. ........................ (1) بحار الأنوار: ج57، ص288. (2) المصدر نفسه: ج57، 219.