شَذَراتُ الآيَات_ 30

أزهار عبد الجبار
عدد المشاهدات : 259

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)/ (النور:51-54) لاحظنا في الحلقات السابقة ردّة فعل المنافقين حين أخبر الله (عزّ وجل) بأنهم إذا دعوا إلى الله تعالى وإلى رسوله ليحكم بينهم اسودّت قلوبهم وأصبحت ظلمات في ظلمات، إذ لم يرضخوا لحكمه تعالى وحكم رسوله (صلى الله عليه وآله)، وكأنّهم يخافون أن يحيف عليهم فيضيع حقّهم. أمّا الآية موضع البحث فقد بيّن القرآن أنّ المؤمنين خلاف المنافقين، فقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)، أي أنها تشرح موقف المؤمنين إزاء حكم الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، فوردت كلمة (إنما) لتحصر كلام المؤمنين في عبارة (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)، وهو تعبير جميل يبيّن أنّ حقيقة الإيمان يكمن في هاتين الكلمتين فقط، وهو التسليم التام إزاء الحق. كيف يمكن أن يرجح حكم شخص آخر على حكم الله (عزّ وجل)، وهو العالم بكلّ شيء ولا حاجة له بأحد؟! وكيف يقوم شخص إزاء حكمه (عزّ وجل) إلا بالسمع والطاعة، إنها وسيلة رائعة لامتحان المؤمنين الحقيقيين ونجاحهم فيه؛ لهذا تختم الآية حديثها بالقول: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، ولا شك أنّ الفلاح يكون لمَن يسلّم أمره لله تعالى، ويعتقد بعدله وحكمته في حياته الماديّة والمعنويّة. وتابعت الآية الثانية هذه الحقيقة بشكل أكثر عمومية، فقالت: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)، فقد وصفت هذه الآية المطيعين المتقين بالفائزين، كما وصفت الآية السابقة الذين يرضخون لحكم الله (عزّ وجل) ورسوله (صلى الله عليه وآله) بالمفلحين، وقد فسّر الراغب الإصفهاني في مفرداته معنى كلمة الفوز بأنه الظفر بالخير لحصول السلامة، وكلمة الفلاح، الظفر وإدراك البغية، وفي الأصل بمعنى (الشقّ)، وبما أنّ الأشخاص المفلحين يشقّون طريقهم إلى مقصدهم، ويزيلون العقبات منه أُطلق الفلاح على الفوز أيضاً، إذن الفوز والفلاح بمعنى واحد، وبما أنّ الكلام في الآية السابقة كان على الطاعة بشكل مطلق وفي الآية قبلها على التسليم أمام حكم الله (عزّ وجل)، وأحدهما عام والآخر خاص، فالنتيجة كلاهما واحد، وما يستحق الملاحظة أنّ الآية الأخيرة ذكرت ثلاثة أوصاف للمتقين وهي: الطاعة, وخشية الله (عزّ وجل)، وتقوى الله (عزّ وجل)، إذ قال المفسرون: إنّ الطاعة ذات معنى عام، والخشية فرعها الباطني، والتقوى فرعها الظاهري، وقد تحدّثت عن الطاعة بشكل عام، ثم عن باطنها وظاهرها.(1) ورُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أنه قال: "إنّ المعني بالآية أمير المؤمنين (عليه السلام)" ولا خلاف في أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خير مصداق لهذه الآية.(2) أمّا بخصوص الآية (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، فقد جاءت تفاسير كثيرة لكلمة الخروج منها الخروج للجهاد ومنها عدم التهالك على المال والحياة وإتباع وطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) ووردت في القرآن الكريم بمعنى الخروج إلى ميادين الجهاد تارة وترك المنزل والأهل والوطن تارة أخرى. إن هذه الآية نزلت بالمخالفين وهي لبيان كذبهم في القول حتى فيما كان على قدر جهدهم ومنتهى طاقتهم لأن أمرتهم للخروج بالقتال ليخرجنّ ولكن هل ذلك صحيح؟ كلا أنهم لم يرضوا بالمحاكمة. فكيف يرضون بإزهاق أنفسهم في القتال؟ فجاء الردّ حين قال لهم القرآن الكريم (.. قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) أي يا رسول الله قل لهم لا تقسموا على إطاعتكم فإن طاعتكم معروفة كما تقول لمن يحلف انه ينصرك: لا تحلف انصر أولاً فإن الله (عزّ وجل) يعلم أنكم لا تطيعونه وإنما تحلفون حلفاً مجردة عن العمل..(3) ثم تضيف الآية (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) إن الله تعالى قد أمرهم بطاعة أوامر الرسول وعدم مخالفته لأنه عليه تحمل ما كلف به وهو التبليغ وعليكم ما كلفتم به وهو الطاعة والمتابعة لأنها تؤدي إلى الرشد والصلاح.(4) .............................. (1) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص238، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج11، ص95-96. (2) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج11، ص96. (3) تقريب القرآن للأذهان: ج3، ص717-718. (4) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج11، ص97.