تجاهل المواقف وعدم الاكتراث للآخرين

تبارك شهيب/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 88

انتشرت مؤخرا الأفكار الواهمة، والعبارات التحفيزية على القوة المزيفة، كالعبارات الصفراء: (كن قويا، كن متحررا، لا تتنازل)، وتنشئة الأجيال على فكرة القوة الواهمة الناتجة عن الاستقلال والوحدة والانفصال، فتجاوز الموضوع حدوده حتى وصل إلى إيهام الأفراد بأن القوة معيار النجاح، وتجاهل المواقف وعدم الاكتراث للآخرين، يدل على قوة الشخصية في التعامل مع الأفراد، فتحول الموضوع إلى مقاومة للشعور الحقيقي تبعا للمظهر، وبأمر وجوبي لا مصدر لوجوبه. ولابد من ذكر مساؤى مقاومة المشاعر، والتقمص بمشاعر وهمية؛ لأنه لابد للإنسان من أن يفهم مشاعره، وأول خطوة لفهمها هو أن يتقبلها مثلما هي، ومن أجل أن نصل إلى مغزى عبارة (لا تكن قويا) لنعكس الغرض، نحتاج أن نكون رفقاء بأنفسنا حين نسقط في وادي الضعف، مثلما نرفع أنفسنا للقوة دوما. وأساس هذه القوة هي أن لا نعد سقوطنا ضعفا، فكل القوة تتجلى في أن نأخذ وقتنا حتى نجتاز مطبات الأزمة، فحين نؤمن أولا أن القوة ليست مطلقة، وأنها ضد الضعف، مثلما أن الظلام ضد النور، ومن دون وجود أحد المتضادين لا نستطيع رؤية الآخر، وأن القوة الآتية من العبارات المحفزة ما هي إلا وهمٌ ساذج لا يتعدى إيهامه العقل الفطين، ولأن الحياة مسرح للأضداد، فيحتاج الإنسان إلى وجود السطح كي يرى العمق، ويحتاج أن يبتعد حتى يبقى بالقرب، يتأرجح بين الفرح والحزن، وبين الشدة والرخاء، ويتيه بين عقله وقلبه حتى يقرر أحدهما الانتصار، ومن أجل أن ينفض عنه غبار الغفلة، يحتاج قليلا أن يتيه في الحياة، إنه يتحدى صعاب الدرب إن كانت الوجهة قلبه، بينما تتثاقل خطاه حين يقصد عقله حتى ينجو، فيحتاج إلى الهدنة مع نفسه؛ لذلك لا تعد القوة صفة ثابتة، بل متغيرة بحسب الظروف، وهي ليست ذاتية بل مكتسبة؛ لأنها مفعمة بالتباين بحسب المواقف والمآخذ، فالإنسان كائن رقيق، لا يمكن أن تستمر قواه في كل حالٍ، وأيضا لا يستطيع حصر مشاعره في ضمن صنفٍ ما، فالمشاعر تتنازع فيما بينها حتى تصل إلى استقرارها المطلوب، وتتشاكل لتظهر نفحاتها بصورة قد تتغير كل يوم، وتتصارع لتبدو أفضل، وقد يكون الفرد ضعيفا حقا عندما يجعل الانهزام والفرار أسلوبا في حياته، وينعت نفسه بـ(الضحية) وهو يشكو حاله. يجب علينا أن ننسى المبالغة في الأمور، وأن نكسر حواجز المثالية مع أنفسنا، ونسمح للدمعة أن تسقي أرض وجوهنا الشاحبة، ولا نكابر في الامتثال للكبرياء الواهم في تحديد ما نفعل على حساب ما نشعر، فإننا متعودون على الرهافة المستوطنة زوايا ألبابنا. إننا ننجو من تبعات اعتقادنا الخاطئ بالضعف، فبعضه قد يعيدنا إلى مركز قوتنا؛ لنتوازن في المنتصف، وعكسه ما نفرط في استخدامه بلا بوح، أو قول، أو فعل، فحتما يتبين أن الرهان على الضعف كاسر، مثلما أنه حين يجابه القوة سيكون خاسرا، فهذه المعادلة المنطقية لإثبات أن القوة والضعف ضدان، تعني أنه لا وجود لأحدهما بغياب الآخر، وأننا صنيعة خطواتنا الرتيبة في تباينها، وأفكارنا الماثلة في اختلافها، ومشاعرنا في عمقها، وقوتنا في نقطة مواجهة شعورنا على أي حال، وتقبله.